النَّكِرَةُ وَالْمَعْرِفَة، سبق أن النكرة ما شاع في جنس موجود أو مقدر، إذاً هو غير معين -فرد مبهم- وأما المعرفة فهي شيء معين، ما وضع ليستعمل في معين، حينئذٍ نقول: لما كان المبتدأ محكوماً عليه والخبر محكوماً به تعين أن يكون المحكوم عليه معلوماً عند المتكلم وعند السامع، هذا الأصل فيه؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والتصور إنما يحصل بالتعيين، فلزم من ذلك تقرير أن يكون المبتدأ معلوماً –معرفة- ولزم من ذلك أن الأصل في الإتيان بالخبر هو إفادة السامع شيئاً لم يعلمه، ولما كانت هذه الإفادة حاصلة بالنكرة استغني عن تعريف الخبر، فلا نحتاج إلى أن يعرف الخبر بل الأصل فيه أن يكون نكرة، لماذا؟ لأن الحكم حاصل بأصل اللفظ وهو التنكير، والمعرفة قدر زائد على مجرد النكرة فحينئذٍ إذا عبرنا عن الخبر بالمعرفة والمعنى والحكم يحصل بالنكرة، قالوا: ما زاد على قدر النكرة صار حشواً، لماذا؟ لأنك زدته لفظاً لم يحتج إليه، زدته أحرفاً لم يحتج إليها، زدته معنى كالعلمية ونحوها لم يحتج إليها، فحينئذٍ نقول: الأصل في المبتدأ أن يكون معلوماً عند المخاطب، والأصل في الخبر أن يكون مجهولاً، لماذا الأصل في المبتدأ أن يكون معلوماً؟ لأنه محكوم عليه، والأصل أن أخبرك بشيء تجهله حينئذٍ لا يمكن أن يكون الطرفان مجهولين عندك، لابد أن يكون الأول معلوماً، أمهد لك بالأول من أجل أن أضع عليه الحكم الثاني وهو الخبر، فإذا كان مجهولاً فحينئذٍ لا يمكن التوصل للإخبار بالخبر.

قال: وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ، إذا عرفنا ما سبق، إذاً ما كان نكرة وهو: ما لم يدل على شيء معين أو فرد مبهم، حينئذٍ نقول: الأصل أن لا يجوز أن يبتدأ بالنكرة؛ لأن النكرة مجهولة وإذا كانت مجهولة حينئذٍ الحكم على المجهول ممتنع؛ لأنه صار حكماً بالمجهول على المجهول، صار حكماً بالمجهول الذي هو الخبر، قلنا: زيد عالم، أنت تعرف زيد لكن ما تعرف أنه عالم، أخبرتك بهذا من أجل أن يحصل عندك استقرار بمضمون الخبر، زيد طالب علم أنت ما تدري أنه طالب علم، تعرف زيد لكن ما تعرف أنه طالب علم، إذاً العلم حاصل بالمبتدأ، وأما علمك بالخبر هذا الأصل عدم حصوله فهو مجهول، فإذا كان المبتدأ مجهولاً والخبر مجهولاً إذاً حكم بالمجهول على المجهول وهذا ممتنع.

وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ، لما ذكرناه، لأن معناها غير معين، والإخبار عن غير المعين لا يفيد ما لم يقارنه ما يحصل به نوع فائدة كالمسوغات الآتية التي سيذكرها المصنف وغيره.

ولا يرد الفاعل نكرة مع أنه مخبر عنه في المعنى، قام زيد، قام رجل، أيهما أصل؟ قام جملة فعلية، الأصل في الفاعل أن يكون معرفة أو نكرة؟ الأصل فيه أن يكون نكرة ولا نحتاج إلى قدر زائد إلا لحاجة تناسب المقام، هذا الأصل، وإنما جاز أن يكون الفاعل نكرة، لسبق الحكم عليه، بخلاف المبتدأ، المبتدأ المحكوم عليه سابق في اللفظ، والمحكوم به الذي هو الخبر متأخر، وأما الفاعل فالحكم على الفاعل سابق في الذكر على الفاعل نفسه، فلما قال: قام، حصل تخصيص، رجل حينئذٍ لا بأس أن تأتي بهذه الجملة، ولا بأس أن يكون الفاعل مجهولاً، لسبق الحكم عليه، بخلاف المبتدأ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015