الجار والمجرور عرفنا أنهما لابد أن يكونا تامين، ثم هل هو الجار نفسه خبر، والظرف يكون هو الخبر أم لا؟ زيد عندك، عرفنا أن الخبر معنى، ووصف، وحكم، أليس كذلك؟ لما قلنا: الخبر محكوم به، والمبتدأ محكوم عليه، حينئذٍ إذا قلت: زيد أخوك، زيد قام أبوه، زيد مسافر، زيد أسد، أسد، وقام أبوه، وزيد أبوه قائم، الأخبار هذه كلها دلت على معانٍ اتصف بها المحكوم عليه وهو المبتدأ، إذاً كل من هذه الألفاظ -الجملة بقسميها والمفرد بنوعيه- دل على معنى في الموصوف وهو المبتدأ، لكن هل هذا المعنى حاصل من ذات اللفظ -لفظ الظرف، ولفظ الجر والمجرور-؟ لو قيل: زيد عندك، أخبرنا عن زيد بلفظ عند، عند: ظرف مكان وملازماً للنصب، وإذا قلنا: كذلك زيد في الدار، الدار: الأصل أن يكون المخبر به هنا مدخول حرف الجر، هل يحصل الإخبار بذات الظرف وبذات المجرور عن المبتدأ؟ لو تأمل المتأمل لوجد أن ثَم فرقاً بين الإخبار بالجملة والمفرد بنوعيه عن الإخبار بالظرف والجار والمجرور ولذلك جماهير النحاة على أن الخبر لا يكون نفس الظرف ولا يكون نفس الجار والمجرور بل لابد أن يكون متعلقاً، واختلفوا في هذا المتعلق هل هو اسم فاعل أو فعل؟ لماذا؟ لا يخرج عن هذين النوعين؛ لأن كلاً من هذين النوعين متضمن لمعنى، هذا المراد، فروا من الجمود المحض في الظرف وفي المجرور وعلقوه بما فيه رائحة المعنى، رائحة الحدث كاسم الفاعل، أو هو حدث في الأصل كالفعل، فحينئذٍ أوجبوا أن يكون الظرف والجار والمجرور ليس هو عين الخبر وإنما هو متعلق بمحذوف، لماذا؟ لأنهم وجدوا أن الفائدة لا تتم بعين الظرف زيد عندك لو لم يستحضر في نفسه كَائِنٍ أوِ اسْتََقَرْ، زيد عندك هذا مثل: زيد بك، لكن لمَّا دل عندك وهو ظرف مكان على أن المراد الكينونة والحدوث والاستقرار وهذا هو المتعلق العام حينئذٍ صح الإخبار به، لكن لا بذات اللفظ، وإنما بتقدير المتعلق المحذوف، ولذلك جماهير النحاة على هذا، على أن الخبر ليس هو عين الظرف، وليس هو عين الجار والمجرور؛ لأنه في ذاته دون نظرٍ إلى المتعلق لا يدل على معنىً البتة، ليس فيه معنى، وليس فيه فائدة، ولكن إذا فهم الإنسان زيد عندك، أنت في ذهنك أن ثَم فائدة لا. الفائدة هذه حصلت بماذا؟ باستحضار الاستقرار الذي أنت فهمته من الجملة وهذا قدر زائد على اللفظ، وهو الذي أراده النحاة هنا، أن يكون هذا اللفظ لم يدل على الخبر أو معنى الخبر بذاته، وإنما تعلق بمحذوف، وهذا المحذوف واجب الحذف إن كان عاماً، وجائز الحذف إن خاصاً ودل عليه دليل لابد من هذا، فإن كان المحذوف عاماً مثل ما ذكرنا زيد في الدار، زيد: مبتدأ، وفي الدار نقول: هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، زيد عندك، عند نقول: هذا ظرف متعلق بمحذوف، أليس كذلك؟! والمحذوف على الصحيح كما سيأتي هو الخبر، وهذا قيد له ومتمم لمعناه، إذاً أوجب النحاة أن يكون الظرف والجار والمجرور متعلقين بمحذوفين نقدر هذا المحذوف عاماً أو خاصاً إن لفظ به لا إشكال فيه وإن حذف حينئذٍ لابد أن يكون ثَم دليل عليه ولذلك قال ابن عقيل: فكل منهما متعلق بمحذوف واجب الحذف، واجب الحذف هذا إذا كان عاماً يجب حذفه لا يجوز أن يذكر، وذكره شاذ