وَأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقاً، أُمن اللبس أو لا، حَيْثُ تَلا: الخبر المشتق مَا، أي: مبتدأً لَيْسَ مَعْنَاهُ: معنى الخبر لَهُ لذلك المبتدئ مُحَصَّلا، لم يؤتَ من أجله وإنما جيء من أجل الآخر، ولذلك استدل الكوفيون على أنه لا يجب الإبراز مع أمن اللبس بقول القائل:
قَوْمِي ذُرَى المَجْدِ بَانُوْهَا وَقَدْ عَلِمَتْ ... بِكُنْهِ ذَلِكَ عَدْنَانٌ وقَحْطَانُ
قَوْمِي: هذا مبتدأ أول، ذُرَى المَجْدِ: مضاف ومضاف إليه وهو مبتدأ ثاني، قال: بَانُوْهَا: الضمير هنا يعود على من؟ لو على قومي لقال: بانوها هم، لكنه عاد مع أمن اللبس هنا على قومي، قَوْمِي ذُرَى المَجْدِ بَانُوْهَا، حيث جاء بخبر المبتدئ مشتقاً ولم يبرز الضمير مع أن المشتق ليس وصفاً لنفس مبتدئه في المعنى، ولو أبرز الضمير لقال: قَوْمِي ذُرَى المَجْدِ بَانُوْهَا هم، إذاً لم يبرز الضمير مع كونه رجع إلى قومي، وذُرَى المَجْدِ هذه مبنية وليست بانية وإنما الباني هم القوم، التقدير بانوها هم، فحذف الضمير؛ لأمن اللبس.
وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ اوْ بِحَرْفِ جَرّ ... نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ أوِ اسْتَقَرّ
هذا هو النوع الثالث من أنواع الخبر وهو ما كان شبه جملة وهو الظرف والجار والمجرور، وَأَخْبَرُوا، أي: العرب، أو حكم النحاة بجواز الإخبار بالظرف أو حرف جر، بِظَرْفٍ: كما هو في قوله تعالى: ((وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)) [الأنفال:42]، َالرَّكْبُ: هذا مبتدأ، وأَسْفَلَ: هذا ظرف مكان وهو خبر، أوْ هذا للتنويع بِحَرْفِ جَر كقوله تعالى: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ)) [الفاتحة:2]، الْحَمْدُ: مبتدأ، ولِلَّهِ: جار ومجرور، نقول: خبر أو متعلق بحذوف.
نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ أوِ اسْتَقَر، يشترط في الظرف وحرف الجر إذا وقعا خبرين أن يكونا تامين، فليس كل ظرف يصح أن يكون خبراً وليس كل جار ومجرور يصح أن يكون خبراً بل الشرط أن يكون فيهما معنى التمام، وسبق أن التمام المراد به أن يُفهم منه متعلقة المحذوف، إذا قال: زيد في الدار، عرفت أن في الدار هذا متعلق بمحذوف يتم الكلام به وهو كائن أو استقر، وكذلك زيد عندك، عندك نقول: هذا ظرف وهو تام؛ لأنه من إطلاق اللفظ عرفت المحذوف وهو المتعلق كائن أو استقر، إن لم يكن كذلك فحينئذٍ نقول: هذا ظرف ناقص أو جار ومجرور ناقص لا يصح الإخبار به، زيد بك، بك ليس بكلام هذا، لم يحصل به فائدة، زيد فيك، زيد لك، نقول: هذا جار ومجرور لم يحصل به الفائدة، نسميه ناقصاً؛ لأنه لم يفهم منه المتعلق، إذاً الناقص ما لا يفهم بمجرد ذكره وذكر معموله ما يتعلق به لم يُعرف بمجرد ذكره بك لم نعرف ما هو المتعلق، مع أنه يحتمل أنه زيد واثق بك، زيد فيك، زيد راغب فيك، زيد عنك، زيد معرض عنك، هذه كلها متعلقات هل تفهم من الكلام؟ ما يفهم، إذا قلت: زيد بك، ما تفهم أن المتعلق هو راغب أو واثق، أو معرض، نقول: كونه لا يدل على المتعلق هذا ناقص، وإذا دل عليه يكون تاماً وإنما يدل على المتعلق في حالين، إذا كان المتعلق المحذوف عاماً، وهو ما عبر عنه بـ: كَائِنٍ أوِ اسْتََقَرْ، يعني: لفظ يدل على الوجود والحصول والحدوث، كل لفظ يدل على هذه الألفاظ وهذه المعاني فهو كون عام، فهو متعلق عام.