وجب إبراز الضمير، ولو قيل: هند زيد ضاربته هي، هند: مبتدأ أول، زيد ضاربته: مبتدأ ثاني وخبره، ضاربته: تاء التأنيث، والفاعل ضمير مستتر، وضاربته: الهاء هذا في محل نصب مفعول به، هل فيه لبس؟ ليس فيه لبس؛ لوجود تاء التأنيث، فدل على أن الفاعل هند -المبتدأ الأول- هند زيد ضاربته، الأصل في ضاربته "الضمير" أن يعود إلى زيد لكنه عاد إلى الأول إلى غير من هو له لكن وجدت قرينة وهي التاء كما وجد هناك ضاربها الهاء مذكر، إذاً هذا أُمن اللبس وعند البصريين يجب الإبراز -إبراز الضمير-، والصحيح أنه لا يجب إذا أُمن اللبس، تفريق بين النوعين، ومثال ما لم يؤمن فيه اللبس لولا الضمير: زيد عمرو ضاربه، هنا يرد إشكال، زيد عمرو ضاربه، زيد: مبتدأ أول، وعمرو: مبتدأ ثاني، ضاربه، من الضارب ومن المضروب؟ هذا يحتمل أن يكون الضارب هو عمرو وزيد مضروب، ويحتمل أن يكون زيد هو الضارب وعمرو هو المضروب، لكن لو جرينا على الأصل أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وأن الخبر إنما أُخبر به عن مبتدئه فالأصل أن نقول: لا إشكال في هذه، إذا كان الضارب هو عمرو فالأصل عدم إبراز الضمير، زيد عمرو ضاربه لا إشكال، لكن إذا أراد المتكلم أن الضارب هو المبتدأ الأول حينئذٍ لابد من إبراز الضمير؛ لأن المخاطب سيفهم عود الضمير إلى أقرب مذكور، زيد عمرو ضاربه فالضارب عمرو هذا هو الأصل، فلو لم يذكر "هو" فحينئذٍ نقول: المخاطب إذا أجرى الضمير إلى من هو له لا إشكال فيه، ولكن لو كان مراد المتكلم أن الضمير هنا أجري على غير من هو له وجب عليه إظهار الضمير فيقول: زيد عمرو ضاربه هو، أي: زيد، فزيد هو الضارب وعمرو هو المضروب، ولو أسقطنا "هو" لكان عمرو هو الضارب وزيد هو المضروب، ففرق بين الجملتين هذا إذا لم يؤمن اللبس وجب إبراز الضمير عند البصريين وكذلك عند الكوفيين، فإذا أُمن اللبس وقع النزاع بين الطائفتين أوجبه البصريون ولم يوجبه الكوفيون، ومذهب الكوفيين أقرب.
إذاً زيد عمرو ضاربه هو، فيجب إبراز الضمير في الموضعين عند البصريين، وهذا معنى قوله: وَأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقاً، أي: سواء أُمن اللبس أو لم يؤمن، وأما الكوفيون فقالوا: إن أُمن اللبس جاز الأمران كالمثال الأول زيد هند ضاربها هو؛ لأن ثَم قرينة هنا ضاربها ولم يقل ضاربته دل على أن الهاء هنا يعود على زيد فهو الفاعل؛ لأن المبتدأ الثاني مؤنث، فلو كان راجعاً إليه لقال: ضاربته، لكن لما ذَكَّر علمنا أنه أراد الأول، فإن شئت أتيت بهو وإن شئت لم تأت به، وإن خيف اللبس وجب الإبراز كالمثال الثاني وهذا مذهب الكوفيين، واختار المصنف هنا مذاهب البصريين، واختار في غير هذا الكتاب مذهب الكوفيين.
إذن:
وَأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقاً حَيْثُ تَلاَ ... مَا لَيْسَ مَعْنَاهُ لَهُ مُحَصَّلاَ
مراده: أن الضمير المستكن في المشتق المفرد إذا عاد إلى من هو له حينئذٍ لا كلام فيه، وإن عاد إلى غير من هو له فله حالان: إما أن يؤمن اللبس معه وإلا لا، في الحالتين يجب إبراز الضمير على مذهب البصريين.