وهذا النحت على قسمين في لسان العرب، منه ما هو قياسي، ومنه ما هو سماعي، وهل: بسمل هذا، من السماعي أو القياس؟ فيه خلاف والصواب أنه من السماعي، يعني: مسموع وليس بمولد، كا: الفذلكة، والبلكفة، والكذلكة، هذه كلها من قبيل النحت، لكنها مولدة، يعني: مصنوعة صنعها المتأخرون، لم ينطق بها من يحتج بلسانه.
وأما: بسمل، الصواب أنه سمع ..
لقد بَسْملَتْ ليلَى غَداةَ لَقِيتُها ... فيا حَبَّذا ذَاك الحديثُ المُبَسْمَلُ
لقد بسملت ليلى، هكذا قال ابن أبي ربيعة، فدل على أنه قياسي وليس بسماعي.
وبسمل: من حيث الإفراد .. مفرداتها، ومن حيث المعاني، قلنا: ذكرنا شيئاً مما سبق، لكن نقول: بسم الله: هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف الأصح أنه يقدر فعلاً مؤخراً خاصاً، فعلاً: لأن الأصل في العمل للأفعال، ولأن الشرع جاء بذلك مصرحاً به: ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)) [العلق:1] اقرأ باسم، باسم: جار ومجرود متعلق بقوله: اقرأ، وجاء في النص: حديث {باسمك ربي وضعت جنبي} وضعت .. باسمك: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: وضعت، وهو فعل، فدل على أن الأصل في متعلق البسملة أن يكون فعلاً، خاصاً: لأنه أدل على المقام؛ لأن من بسمل لشيء لا بد وأنه يضمر في نفسه ما جعل البسملة مبدأً له، هذا أولى من أن يقدر فعلاً عاماً أو اسماً عاماً؛ لأنه إذا قال: بسم الله أؤلف .. بسم الله أشرب .. أنام .. آكل .. بسم الله إلى آخره نقول هذا: أدل على المراد من الفعل العام.
أما: بسم الله أبدأ، أو ابتدائي، أبدأ ماذا؟ هذا لفظ عام لا يفهم منه الحدث الخاص، حينئذٍ إذا أضمر في نفسه حدثاً خاصاً، نقول: قدر في نفسه ونوى في نفسه ما جعل البسملة مبدأً له، وهذا أصح من حيث المعنى.
ثالثاً: مؤخراً لماذا؟ لفائدتين:
أولاً: الاهتمام باسم الله تعالى، ألا يتقدم عليه شيء، بسم الله أؤلف .. أنظم.
والفائدة الثانية: إفادة القصر والحصر، والقصر والحصر إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عدى.
باسم الله لا باسم غيره، أستعين: الباء هنا للاستعانة، أو للمصاحبة على وجه التبرك.
باسم الله لا باسم غيره: مثل قوله: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:5] إياك نعبد: نعبدك، هذا الأصل، فأريد الحصر والقصر فانفصل الضمير فقدم، فصار المعنى: لا نعبد إلا إياك، وإياك نستعين: لا نستعين إلا بك، فتقديم ما حقه التأخير يفيد القصر والحصر، وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عدى.
لهذه الأمور الثلاثة نقدره على الأصح فعل لا اسم .. مؤخر لا مقدم، خاص لا عام، لهذه العلل التي ذكرناها.
وأما قوله تعالى: ((اقْرَأْ بِاسْمِ)) [العلق:1] هذا جاء مقدماً هنا، أليس كذلك؟ نحن نحتج بالآية على أن المتعلق يكون فعلاً، وهنا جاء مقدماً في الآية.
نقول: هنا المراد الاهتمام بالقراءة لأن لها شأن يختص به المقام، فإذا قدم المعمول أو المتعلق .. إذا قدم المتعلق لفائدة ترجى من التقديم لا بأس، وأما الأصل فالتأخير،
وَقَدْ يُفيدُ فِي الجَمِيعِ الاِهتِمَامْ ...
تَقديرُ مَا عُلِّقَ بِاسْمِ اللهِ بِهْ
تَقدِيمُهُ فِي سُورِةِ اقْرأْ فَهُنَا ... بِهِ وَمِنْ ثَمَّ الصَّوابُ فِي المقَامْ
مُؤَخَّراً فَإِنْ يَرِدْ بِسَبَبِهْ