وإما لاستغراق الأفراد، وهي التي تخلفها (كلٌّ) حقيقة، نحو ماذا؟ ((وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا)) [النساء:28]، وعلامتها: صحة الاستثناء من مَدْخُولها -إن أمكن وإلا فلا- ((إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)) [العصر 3،2] ((إِنَّ الإِنسَانَ)) الإنسان واحد، اللفظ واحد، لكن من جهة المعنى والأفراد فهو متعدد، ولذلك صح الاستثناء من مدخول (أل) فقيل: ((إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)) ((إِلَّا الَّذِينَ))، فكل إنسان في خسر، صَحَّ حُلول (كُلّ) محلها حقيقة، كل إنسان لفي خُسرٍ.
وإما لاستغراق خصائص الأفراد؛ مبالغة في المدح أو الذَّم، وهي التي تَخلُفُها (كُلٌّ) مجازاً لا حقيقة؛ أنت الرجُلُ عِلْماً، أنتَ الرجُل كَرَماً، يعني: كأن الصفات كلها اجتمعت فيك، هذه من باب المبالغة، أنت كلُّ الناس عِلْماً، اجتمع كلُّ الكَرَم والعِلْم فيك، نقول: هذا على سبيل المبالغة، يعني: صار كاملاً في هذه الصفة.
وهذا التقسيم لـ (أل) مذهب الجمهور، يعني: أنها قسمان: عهدية، وجنسية، مذهب الجمهور، وقيل: لا تكون إلا عهدية.
قال ابن عُصْفُور: لا يَبْعُدُ عندي أن تسمّى الألف واللام اللتانِ لتعريف الجنس عهديتين، لأن الأجناس عند العقلاء معلومة مُذْ فهموها، والعهد تقدُّم المعرفة. لكن المشهور خلاف هذا.
وقيل: العهدية بالأعيان، والجِنْسية بالأذهان.
واختلف في نيابة (أل) عن الضمير -دائماً يمرُّ معَنا في حَلِّ الأبيات- اختُلِف في نيابة (أل) عن الضمير المضاف إليه، منعه أكثر البصريين، أكثر البصريين على المنع، وجوزه الكوفية، وبعض البصريين، وكثير من المتأخرين، وخرَّجوا عليه: ((فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)) [النازعات:41] يعني: مأواهُ، هذا الأصل، مضاف ومضاف إليه، وحُذف المُضاف إليه - وهو الضمير - وعُوِّض عنه (أل)؛ فقيل: المأوى، حينئذ نقول: (أل) هذه نائبة عن المضاف إليه إذا كان ضميراً، لكن أكثر البصريين على المنع.
قال رحمه الله:
وَقَدْ تُزَادُ لاَزِماً كَاللاَّتِ ... وَالآنَ وَالَّذِينَ ثُمَّ اللاَّتِ
وَلاِضْطِرَارٍ كَبَناتِ الأَوْبَرِ ... كَذَاَ وَطِبْتَ النَّفْسَ يَا قَيْسُ السَّرِي
وَقَدْ تُزَادُ (أل)؛ الأصل فيها أنها حرف معنى، ما معنى حرف معنى؟ بمعنى أنها تدل على معنى، مثل: في وعن وعلى ... الخ، فإذا كان كذلك فالأصل إذا أطلقت انصرفت إلى المعنى الأصلي وهو: المعرفة، التعريف، يعني: تفيد تعريفاً، ولذلك سبق معنا:
نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا