ولذلك قال ابن عقيل: فإن كان الضمير منفصلاً لم يجز الحذف، لكن عدم جواز الحذف يقيَّد بما إذا كان واجبَ التقديم، يعني: جاء الذي إياه ضربتُ، نقول هنا: لا يجوز؛ لأنه لو حُذف جاء الذي ضربتُه؛ قد يقال بأنه الضمير نفسُه، ولا إشكال فيه، لكن يفوت تمامُ المعنى، وهو إنما قَدَّم (إياه) لإفادة الحصر والقصر, فإذا حُذف حينئذٍ فات هذا المعنى -فات الغرض الذي قصده المتكلم- لكن لو قال: جاء الذي ضربتُ؛ وحذفه (إياه) حينئذٍ لا بأس، هذا الأصل فيه، ولذلك إذا قصد معنىً زائداً بالتقديم امتنع الحذف، وإلا فالأصلُ الجواز؛ لأنه في قوة قوله: ضربتُه، وهذا هو الأصل، وإنما قصد معنىً فانفصل الضمير فقدَّمه كما هو في حال قوله تعالى: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) [الفاتحة:5]، فحينئذٍ الذي لا يجوز حذفه هو الضمير الواجب الانفصال، فأما الضمير الجائز الانفصال، فيجوز حذفه.
ثم قال:
كَذَاكَ حَذْفُ مَا بِوَصْفٍ خُفِضَا ... كَأَنْتَ قَاضٍ بَعْدَ أَمْرٍ مِنْ قَضَى
هذا شُروع في الكلام على العائد إذا كان مخفوضاً في محل جرٍ، والعائد المخفوض إما أن يكون مخفوضاً بالإضافة، أو بالحرف، والخفض محصور في هذَين العامِلَين، بالإضافة يعني: مضاف.
قال رحمه الله:
كَذَاكَ حَذْفُ مَا بِوَصْفٍ خُفِضَا ... كَأَنْتَ قَاضٍ بَعْدَ أَمْرٍ مِنْ قَضَى
كَذَاكَ حَذْفُ: (حَذْفُ) هذا مبتدأ مؤخر.
حَذْفُ مَا بِوَصْفٍ خُفِضَا: (مَا) اسم موصول بمعنى: الذي.
وخُفِضَا: الألف للإطلاق، وهي جملة الصلة.
بِوَصْفٍ: جار ومجرور متعلق بقوله: (خُفِضَا)، كأنه قال: حذف ما خُفِض بوصف كذاك، أي: مثل حذف العائد المنصوب، حذف ما خُفِض بوصفٍ، إذاً اشترط في المخفوض؛ العائد إذا كان مخفوضاً اشترط في جواز حذفه أن يكون الخافِض له الوصف، يعني: اسم فاعل، أو اسم مفعول، حينئذٍ إذا كان كذلك جاز حذفه، كَأنْتَ قَاضٍ، (أَنْتَ): مبتدأ، و (قَاضٍ): خبر، يعني: كَأنْتَ قَاضٍ بَعْدَ أمْرٍ الواقع بعد أمرٍ -بعد فعل أمرٍ- مشتق من (قضى) في قوله تعالى: ((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)) [طه:72]، كَأنْتَ قَاضٍ، كلمة (قَاضٍ) الواقعة بَعْدَ أمْرٍ مِنْ قَضَى، فاقضِ، هذا الأمر الذي قضى، مأخوذ مشتق من قضى، ((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)) يعني: ما أنت قاضيه، هذا هو الأصل: ما أنت قاضٍ.
مَا: اسم موصول بمعنى الذي.
وأَنْتَ: مبتدأ.
وقاضيه: قاضي نقول: هذا خبر، وهو مضاف، والهاء ضمير متصلٌ مبني على الكسر في محل جرّ مضاف إليه، وهو العائد، هل يجوز حذفه؟ نقول: نعم يجوز حذفه؛ لماذا؟ لكون الخافِض له وصفاً، فإذا كان الخافض وصفاً حينئذٍ جاز حذفه، بخلاف إذا كان الخافض له اسم جامد؛ فلا يجوز حذفه، (كذاك) أي: مثل حذف العائد المنصوب المذكور في جوازِه وكَثرتِه؛ لماذا؟ لأن حذف العائد المنصوب هو الأصل، وحُمِل عليه المجرور؛ لأن كلاً من المنصوب والمخفوض فضلة، هذا الأصل فيه، المخفوض هذا فضله، والمنصوب فضله، وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ، فإن ضَرّ حينئذٍ امتنع الحذف.