والإلغاء الحقيقي: جعل (ذا) زائدة و (ما) استفهامية على رأي الناظم تبعاً للكوفيين المجوزين زيادة الأسماء وقالوا: وذلك المجموع المجعول اسماً واحداً مستفهماً به مخصوص بجواز عمل ما قبله فيه نحو: أقول ماذا؟ صح أن يكون في محل نصب للقول الملفوظ به -هذا قول-، وأجاز الكوفيون وقوع (ذا) موصولة، وإن لم يتقدم عليها استفهام (ذا)، كل أسماء الإشارة عند الكوفيين يجوز جعلها أسماء موصولة كلها بلا استثناء، ولا يشترطون أن يتقدم عليها استفهام لا (ما) ولا (من). أجاز الكوفيون وقوع (ذا) موصولة، وإن لم يتقدم عليها استفهام كقوله: نَجَوْتِ وهذا تحملينَ طَليقُ، يعني والذي تحملين طليق، استدلوا بهذا البيت على أن (هذا) اسم موصول بمعنى (الذي)، هل تقدمه شيء؟ نَجَوْتِ وهذا تحملينَ طَليقُ، وهذا تحملين يعني: والذي تحملينه، فدل على أن هذا اسم موصول ولم يتقدمها استفهام، إذاً لا يشترط تقدم الاستفهام كما هو مذهب البصريين.
وأجيب بأن تحملين: حالاً أو خبراً، وطليق: خبر ثاني، بل أجاب ابن هشام أحسن من هذا: وهذا مبتدأ وطليق خبر، وتحملين هذا يكون حال.
إذاً: طليق هذا هو خبر المبتدأ، وعند الكوفيين أن أسماء الإشارة كلها يجوز أن تستعمل موصولات، وخرجوا عليه ((وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ)) [طه:17] وأجيب بأن يَمِينِكَ حال من الإشارة، وخرجوا عليه أيضاً ((هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ)) [آل عمران:66] أي: الذين حاججتم.
على كل الصواب أنه لا يستثنى من أسماء الإشارة إلا (ذا) فحسب، هي التي تأتي اسماً موصولاً؛ لأن الأصل أن كل معنى ينفرد عن الآخر، باب أسماء الإشارة منفصل كلياً عن باب الموصولات، فإذا استعمل أحدهما في الآخر حينئذٍ يكون هذا استثناء ولا يكون للباب كله، وإذا جوز الباب كله حينئذٍ اتحدا، صار ما الفرق بين هذا وذاك؟ وما الفرق بين أن يضع العرب الذي والتي، ثم يستعمل اسم الإشارة في موضعين؟ نقول: هذا مخالف للأصول التي ينطلق منها النحاة.
إذاً: وَمِثْلُ مَا: الموصولة في ما تقدم (ذا).
بَعْدَ مَا اسْتِفْهَامِ أوْ مَنْ: أو بعد (من) الاستفهامية على الصحيح، هذا الشرط الأول.
إذَا لَمْ تُلْغَ: وقلنا: الإلغاء نوعان: إلغاء حكمي وهو تركبها في ثلاث صور، وإلغاء حقيقي، والإلغاء الحقيقي أن تجعل (ذا) زائدة غير مركبة، والإلغاء الحكمي هذا أن تجعل مركبة إما استفهاماً وإما موصولاً وإما نكرة موصوفة.
ويظهر أثر الإلغاءين -هكذا قال: الصبان، يعني ما الفرق بين الإلغاء الحكمي والحقيقي؟ ما الأثر؟ هو ليس فيه أثر إلا في الكتابة فحسب، وعلى القديم- يظهر أثر الإلغاءين في نحو: سألته عن ماذا؟ فتثبت الألف مع الجار على تقدير الإلغاء الحكمي، وتحذف معه على تقدير الحقيقي. يظهر أثر الإلغاءين في نحو: سألته عن ماذا؟ ماذا -الألف هذه- إذا كان إلغاءً حكمياً حينئذٍ تثبت الألف -تكتبها- وإذا كان حقيقياً تحذف.
وَمِثْلُ مَاذَا بَعْدَ مَا اسْتِفْهَامِ ... أَوْ مَنْ إِذَا لَمْ تُلْغَ فِي الْكَلاَمِ