وأما إذا لم يكن كذلك فحينئذٍ يعبر باللفظ الواحد عن المفرد المذكر المؤنث، وعن المثنى المذكر والمؤنث، وعن الجمع المذكر والمؤنث، فيقال: أعجبني ما ركب، يعني الذي ركب، وما ركبت –دابة- وما ركبا، وما ركبتا، وما ركبوا، وما ركبن .. إلى آخره، حينئذٍ نقول: هذه ألفاظ هي متحدة في اللفظ، لكنها من حيث المعنى مفترقة، ولذلك في عود الضمير على (من) -وهي في اللفظ واحد- قد يجوز أن يراعى فيه المعنى وقد يراعى فيه اللفظ، إلا أن اعتبار اللفظ أكثر من اعتبار المعنى -هذا في القرآن- عود الضمير على (من) فقد يراد بها غير لفظها، أما لفظها فهو مفرد مذكر، قد تصدق على المفرد المذكر، حينئذٍ لا إشكال، عود الضمير على المعنى أو على اللفظ واحد، لو قال: جاءني من قام -وهو عاد الضمير على اللفظ وعلى المعنى- لا يصح هنا التغاير، لماذا؟ لأن اللفظ مفرد مذكر (من)، والمعنى الذي صدقت عليه (من) مفرد مذكر، أما إذا اختلفا حينئذٍ إما أن يعيد الضمير على اللفظ، وإما أن يعيد الضمير على المعنى. وكلامها جائز
((وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ)) [الأنعام:25]، ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ)) [يونس:42] جاء في القرآن هذا وذاك.
((مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ)) [الأنعام:25] أعاده إلى اللفظ، ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ)) [يونس:42] أعاده إلى المعنى؛ هذا جائز وهذا جائز، إلا أن اعتبار اللفظ أكثر، هكذا عند البيانيين.
وَأَلْ: (أل) هذه تستعمل للعاقل وغير العاقل، (أل) وما بعدها كلها تستعمل للعاقل وغير العاقل، وإنما يستثنى (من) و (ما) فحسب، (من) للعاقل والأصل فيها وقد تخرج عنه، و (ما) لغير العاقل وهذا هو الأصل فيها.
وأما ((أل)، وذو، وذا، وأي) فهذه كلها تستعمل للعاقل وغير العاقل.
وهذه (أل) -كما سبق- (أل) موصولة، وهي اسم على الصحيح، والجمهور على هذا، وأنها من خصائص الاسم، وهي داخلة في قوله: و (أل) بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ، (أل) هذه قلنا: تشمل المُعَرِّفَة والزائدة والموصولة، والموصولة هي التي وصلنا إليها الآن، حينئذٍ (أل) هذه هل هي اسم أو حرف؟ فيها قولان:
القول الصحيح: أنها اسم، بدليل عود الضمير إليها، والضمير لا يعود إلا على الأسماء (قد أفلح المتقي ربه) رجع الضمير إلى (أل)، فدل على أنه اسم.
الجمهور: أن (أل) الموصولية تكون اسماً موصولاً بمعنى الذي وفروعه، وقيل: موصول حرفي، وقيل: حرف تعريف، كلاهما حرف إلا أن بعضهم يرى أنها حرف تعريف وبعضهم يرى أنها موصولٌ حرفي، ورُدَّ بعود الضمير عليها بقوله: (قد أفلح المتقي ربه)، وبأنها لا توؤل بمصدر، من قال بأنها حرف مصدري هي لا تؤول بمصدر؛ لأن الحرف المصدري ضابطه: كل حرف أول مع ما بعده بمصدر كما عرفنا، وهذه لا توؤل بمصدر -الضارب ماذا تقول؟ ليس فيه تأويل- وبأنها لا توؤل بمصدر، والثاني بدخولها على الفعل، يعني الدليل الثاني: بدخولها على الفعل.