ولذلك جاء القيد في قوله تعالى: ((وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ)) [المجادلة:8] في أنفسهم، وهذا يرد عليهم، إذ لو كان القول الأصل فيه أنه يطلق على المعنى القائم في النفس ما الداعي إلى قوله: في أنفسهم؟ لو قال: وَيَقُولُونَ .... لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ، حينئذٍ نقول: لو قالوا: ويقولون دون قيد انصرف إلى المعنى النفسي، لماذا قيده وقال: في أنفسهم؟ هذا دل على أنه لو أطلق لانصرف إلى اللفظ والمعنى معاً، ولا يصح إطلاقه على حديث النفس إلا بقيد.
إذاً: قولهم: أن الكلام يطلق على المعنى دون اللفظ، وإطلاقه عليه حقيقة، هذا قول باطل وليس عليه دليل.
ويطلق على اللفظ المركب أفاد أم لم يفد، فيشمل حينئذٍ الكَلِم، والكَلِم قسمان:
كلم مفيد، وكلم غير مفيد، حينئذٍ يطلق عليه أنه كلام، وهل هو حقيقة فيهما، أو في الأول فقط، أو الثاني فقط؟ ثلاثة مذاهب للنحاة، يعني: إطلاق لفظ الكلام على المعنى القائم بالنفس، وإطلاق الكلام على المركب أفاد أم لا؟ هل هو حقيقة فيهما، أم في الأول دون الثاني، أم في الثاني دون الأول؟ هذه ثلاثة مذاهب للنحاة.
والصحيح أنه لا يطلق الكلام على المعنى القائم بالنفس البتة، إلا بقرينة، فإن وجدت قرينة فحينئذٍ لا بأس، وإلا فنرجع إلى الأصل؛ لأن الأصل حمل الكلام على حقيقته، فإن امتنع حمل الكلام على حقيقته، إن قلنا بالمجاز حينئذٍ نصرفه إلى المجاز.
ويطلق على الكلمة الواحدة، فيقال: زيد كلام، لكنه من جهة اللغة لا من جهة الاصطلاح.
إذاً: هذا معنى الكلام في لغة العرب: أنه القول وما كان مكتفياً بنفسه.
قال في حده من جهة الاصطلاح:
كلامنا لفظ مفيد كاستقم.
قال ابن مالك: كلامنا، قيد بالإضافة فنسب الكلام إلى نفسه هو ومن معه؛ لأن: نا، الدالة على الفاعلين قد يراد بها المتحدث ومن معه .. إذا كان معظماً نفسه حينئذٍ صار من معه ادعاءً، وإن كان يريد أن هذا مذهب النحاة فحينئذٍ قد عبر بنا الدالة على نسبة الحكم إلى النحاة أجمعين.
فقوله: كلامنا، هل فيه احتراز عن كلام غيره، أم لا؟ هذا محتمل، لماذا؟ لأننا قررنا البارحة: أن المصنف رحمه الله تعالى قال:
وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ ... مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ
إذاً: ماذا سينظم لنا؟ سينظم لنا ما يتعلق بمقاصد النحو، فلو قال: الكلام لفظ مفيد، هل ينصرف الكلام هنا إلى غير الكلام عند النحاة؟ لا، إذاً: كلامنا نقول هنا: ليست الإضافة للاحتراز عن كلام غير النحاة؛ لأن النحاة لهم كلام، والأصوليين لهم كلام، والفقهاء لهم كلام، والمناطقة لهم كلام، كل له كلام، وكلهم يحده بحد ينفصل به عن غيره، ولذلك قيل: الكلام عند الفقهاء كل ما أبطل الصلاة من حرف مفهم كقي وعي أو حرفين مطلقاً وإن لم يفهما.
هذا الكلام عند الفقهاء، يعني: لا يشترط في إبطال الصلاة على هذا الحد أن يقول: قام زيد، وزيد قائم، يا فلان تعال إلى ... حتى تبطل الصلاة، لو قال: قي، يعني: أمر من الوقاية، عي: أمر من الوعاية، حينئذٍ أقول: هذا الكلام يعتبر كلاماً عند الفقهاء فتبطل به الصلاة، ما دام أنه مؤلف من حرف مفهم أو حرفين مطلقاً وإن لم يفهما أبطل الصلاة.