فأفادت الكتابة معنىً دون ضميمة لفظ إليها .... النُّصُب .. ما هي النُّصُب؟ الشيء الذي ينصب علامةً على شيء آخر، كالمحراب، تدخل المسجد فترى المحراب تعرف أن هذه جهة القبلة، من الذي أخبرك؟ المحراب، هو الذي أخبرك، كيف أخبرك، نطق؟ نطق بلسان حاله لا بلسان مقاله، ليس له لسان، حينئذٍ نقول: المحراب أفاد فائدة واستفدت منه حكماً ومعنىً، هذا المعنى هو تحديد جهة القبلة.

إذاً: شيء اكتفى بنفسه في إفادة المعنى، كجهة القبلة، ولم يكن ثم لفظ معه.

يقال: النُّصُب بضمتين، والنُّصْبُ والنَّصْبُ ثلاث لغات، وكذلك العقد، وهذه طريقة كانت عند العرب، يعقد بالأصابع لإثبات عدد معين، إذا عقدت عرف أن المراد بالعدد هو كذا.

والرمز، قيل: الرمز هو الإشارة بالحاجب ونحوه، هذا قد يفيد معنىً، وهذا المعنى استفيد من نفس إشارة الحاجب، هل هو لفظ؟ الجواب: لا، إذا: قوله: القول وما كان مكتفياً بنفسه، أفاد أمرين:

أن الكلام لغةً على أحد وجهين: إما أن يكون لفظاً، وإما أن يكون شيئاً ليس بلفظ ولكنه مفيد، حينئذٍ نأخذ قاعدة: وهي أن الفائدة لا تستلزم اللفظ، بل قد تكون الفائدة مأخوذة من غير لفظ، كالإشارة وما ذكرناه.

يطلق الكلام لغةً: على الخط والإشارة وما يفهم من حال الشيء، وهو ما يسمى: بلسان الحال، وإطلاقه على هذه الثلاثة مجاز، هكذا قال السيوطي في: همع الهوامع، أن إطلاقه على الكتابة مجاز، وكذلك إطلاقه على الإشارة مجاز، وما يفهم من حال الشيء، كذلك لسان الحال إطلاق الكلام عليه مجاز.

ويطلق الكلام على التكليم الذي هو المصدر، يعني: يطلق على الحدث نفسه، وهو التكلم، فيطلق الكلام مراداً به التكلم، قالوا:

قَالُوا كلاَمُكَ هِنْداً وَهْيَ مُصْغِيَةٌ ... يَشْفِيكَ قُلْتَ صَحِيحٌ ذَاكَ لَوْ كانَاَ

كلاَمُكَ هِنْداً، يعني: تكليمك هنداً، كلمها يحصل لك الصحة، لماذا؟ لأنه مرض بحبها، فإذا كلمها وحصل له تكليم منه لها حينئذٍ حصل العلاج، قالوا: كلامك هنداً، إذاً: يطلق على الحدث، وهذا لا بأس به.

ويطلق عند كثير من المتأخرين على ما في النفس من المعاني التي يعبر عنها، وهذا وإن ذكره الكثير إلا أنه لا دليل عليه، لا من اللغة ولا من الشرع، فحينئذٍ يفسر الكلام بالمعنى القائم بالنفس، ولذلك حرفوا صفة الكلام الثابتة لله عز وجل بأنها معنىً قائم .. معنىً قديم قائم بذاته جل وعلا، وإذا أطلق الكلام في الشرع وهو صفة لله عز وجل فسر بهذا المعنى: المعنى القائم بالنفس، وهذا باطل لا دليل عليه.

بل بإجماع أهل اللغة أن مسمى الكلام والقول إذا أطلقا، يعني: دون قرينة .. دون قيد، إذا أطلق لفظ الكلام وأطلق لفظ القول انصرفا إلى المعنى واللفظ جميعاً، كلفظ الإنسان ينصرف إلى الجسد والروح، فلا نقول: المراد بالإنسان هو الجسد دون الروح، ولا المراد بالإنسان هو الروح دون الجسد، بل متى ما أطلق لفظ الإنسان انصرف إلى الشيئين معاً، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر من حيث الإطلاق إلا بقرينة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015