وأما الموصول الحرفي فلا يشترط اشتماله على رابط، لا يشترط، ولو وجد لا يُشترط فيه التطابق، إذاً لا يمكن حمل الذي على أنها غير مصدرية، فليس ثم تخريج إلا أن تكون (الذي) هنا في تأويل مصدر مع ما بعدها، فالذي مفرد، وما بعده جمعٌ، الذي مفرد، وما بعده يعني: خاضوا: الواو، عرفتم وجه عدم التطابق، أن (الذي) هذا مفرد اسم موصول، و (خاضوا) صلة الموصول، اشتمل على ضمير وهو الواو، الذي هو مفرد، والواو جمع، ويشترط في الاسم الذي يكون موصولاً، التطابق بين الضمير وبين مرجعه، هنا لم يتطابق فدل على أنها ليست موصولية، هذا استدلال الإمام ابن مالك رحمه الله تعالى، فـ (الذي) مفرد وما بعده جمعٌ، فلو كانت موصولاً اسمياً، لقيل: كالذي خاض، أو كالذين خاضوا، حينئذٍ ((وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69]، يعني: كخوضهم أولها بمصدر.

أُجيب من جهة الجمهور بجوابين: يعني تخريج الآية، كيف نُخرج الآية؟

نقول: بـ (أن الذي): اسم موصول على الأصل، وليس بمصدري، لا يؤول مع ما بعده بمصدر، بأن (الذي) اسم موصول صفة لموصوف محذوف والتقدير خُضْتُم خَوضاً كالخوض الذي خاضوا، خَوضاً كالذي خاضوا، والموصوف مع صفته في قوة اللفظ الواحد، والتقدير (خضتم خوضاً كالخوض الذي خاضوا) والعائد محذوف، أي: خاضوه.

إذاً الضمير المبرز هنا –البارز- وهو الواو ليس هو العائد، وإنما العائد محذوف، خضتم خوضاً هذا مفعول مطلق، ليس داخل المعنى، كالخوضِ كـ (الذي) يعني: كالخوض الذي، فـ (الذي) صفة لموصوف محذوف، كالذي خاضوه، الهاء هي التي تعود على الذي وليس هو الواو، هذا تخريج جيد، وله اطراد، وله وجهه وهو قوي، والعائد محذوف أي خاضوه، أو وجه آخر، وهذا على لغة القليلة والأولى أن نُرجح الأول، أن الذي اسم موصول بالجمع وأصله الذين، حذفت النون منه وهي تحذف من المثنى والجمع في الموصولات، لكنها ليست هي اللغة الفصيحة، وعلى ذلك لا يحمل عليها القرآن.

((خُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69] يعني: كالذين خاضوا، فصار الذي هذا في اللفظ مفرد لكنه في الحقيقة جمع، كـ (الذين) حذفت النون وهذا سائغ عندهم، نعم نقول هو سائغ لكنه ليس هو الفصيح، وإذا لم يكن كذلك لا يحمل عليه القرآن البتة، بل لا يجوز، هذا مثله مثل: أكلوني البراغيث، وهذه ممنوعة في القرآن على الصحيح وهي أشهر من حذف النون من الذين واللذان، أشهر، فإذا نفينا الأشهر مع وجوده ولغة ... الخ بل مع وجود من يقول به بوجوده في القرآن من النحاة، فإذا نفينا عن تلك اللغة أن تكون في القرآن فالذين مع حذف النون هذا من باب أولى وأحرى؛ فإن لم يترجح أنها مصدرية حينئذٍ نؤوله بالتأويل الذي ذكره أولاً: (كالخوض الذي خاضوه) وهذا مستقيم حذف الموصوف كثير في القرآن وحذف العائد كثير كذلك في القرآن، هذه ست من الموصولات التي يُعبر عنها بأنها موصول حرفي أما (الذي) هذا حُكي الاتفاق على أنه اسم على أصله.

قال الناظم رحمه الله تعالى

مَوْصُولُ الاَسْمَاءِ الَّذِي الأَُنْثى الَّتي ... وَالْيَا إِذَا مَاثُنِّيا لاَ تُثْبِتِ

بَلْ مَا تَلِيهِ أَوْلِهِ الْعَلاَمَهْ ... وَالنُّونُ إِنْ تُشْدَدْ فَلاَ مَلامَهْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015