هنا قال: وما يتألف منه، ولم يقل: وما يتركب؛ لأن التأليف أخص، إذ هو تركيب وزيادة، تركيب: وضع شيءٍ على شيءٍ، وزيادة، ما هي هذه الزيادة؟ الألفة والتناسب بين الجزأين، فحينئذٍ عبر بالتأليف ولم يعبر التركيب، مع أن أكثر النحاة في تعريف الكلام يقول: اللفظ المركب، مراعاة إلى وضع الشيء على الشيء مطلقاً، سواء كان بينهما ألفة أم لا.
وابن مالك هنا راعى الألفة بين الجزأين.
إذ هو تركيب وزيادة، وهي: وقوع الألفة بين الجزأين، والمراد بالألفة: الارتباط بين الكلمتين بإسناد إحداهما إلى الأخرى، ارتباط وتعلق ونسبة بين الجزأين .. بين المسند والمسند إليه، أو إضافتها إليها، أو وصفها بها أو نحو ذلك، بخلاف ضمها إليها بدون مناسبة.
الحجر مأكول! طار الجدار! مات السقف! بينهما مناسبة أو لا؟ ليس بينهما مناسبة؛ لأن الموت لا يصدر عن الجماد، لا يوصف به إلا من صح أن لا ينفى مثلاً الشيء عن الشيء إلا إذا صح وصفه به، حينئذٍ إذا قيل: طار الجدار! نقول: الجدار لا يطير، مات الجدار! الحجر مأكول! نقول: هذه كلها ليس بينها ألفة.
وقال بعضهم: هما بمعنىً واحد، يعني: التركيب والتأليف، والمشهور التفريق بينهما.
الكلام وما يتألف منه، يعني: وما يتألف الكلام منه، عرفنا لماذا عبر المصنف بالتأليف إذ هو مقصود عنده، فليس الشرط في الكلام أن يكون مركباً فحسب، بل لا بد أن يكون بين الجزأين المسند والمسند إليه مناسبة وارتباط وتعلق بينهما، وأما ما لم يكن كذلك فحينئذٍ هل هو كلام أم لا؟ ينبني على اشتراط التركيب أو التأليف في حد الكلام، وابن مالك أشار إلى التأليف.
الكلام بفتح الكاف، له معنيان:
معنىً لغوي، ومعنىً اصطلاحي، ونقول بفتح الكاف؛ لأن الكلام مثلث الكاف، يقال: الكُلام، والكِلام، أما الكُلام: فهو اسم للأرض الصعبة، هذه أرض كُلام فهو مفرد، ويقال: الكِلام بالكسر، وهو جمع وليس مفرداً، جمع كَلمٍ: وهو الجرح، فالكِلام الجراحات، زيد به كِلام، أي: جراحات.
قال ابن يعيش في شرح المفصل: وسمي الكلام كلاماً؛ لأنه يكلم القلب، يعني: يجرحه.
جِراحاتُ السِّنانِ لَها التِئامٌ ... ... ولا يَلْتامُ ما جَرَحَ اللِّسانُ
فالكلام يجرح، أليس كذلك؟ فحينئذٍ سمي الكلام كلاماً لكونه .. إذاً: كِلام: هذا جمع وليس مفرداً، جمع لأي شيء؟ لكَلْمٍ، أصله: كَلَمَ يكْلُمُ كَلْماً، من باب نصر: نصر ينصر نصراً، كلم يكلم كلماً، هذا ليس مراداً معنا، إنما الذي يكون معنا هو الكلام بفتح الكاف،
وهو لغةً: القول وما كان مكتفياً بنفسه، وهو مركب من شيئين:
القول وما كان مكتفياً بنفسه .. المراد بالقول: اللفظ الدال على معنى، أو التلفظ قليلاً كان أو كثيراً، يعني: شيء يلفظ من الفم، صوتٌ معه حروف، هذا يسمى قولاً، وبالمعنى الأخص: القول هو اللفظ الدال على معنى، احترازاً عن القول الذي لا يدل على معنى، إذا عممنا القول وجعلناه مراداً للفظ كما هو قول لبعضهم.