والكلم التي يتألف منها ثانياً بذكر أسمائها وعلاماتها فالشرح مختلف، يعني: الشرح الأول مختلف عن الشرح الثاني؛ لأنه ترجم لشيئين: تعريف الكلام، قال: وما يتألف الكلام منه، وهو الاسم والفعل والحرف، فعددها قال:
وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ.
ثم بين مزية كل واحد منها بعلامتها:
بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ، ثم قال: بتاء فعلت، وآتت، هذا تمييز لها بعلاماتها، إذاً: ترجم لشيئين، وقدم الكلام؛ لأنه أصل، وثنى بما يتألف منه الكلام؛ لأنه جزء له، حينئذٍ ترجم لشيئين وعرف الكلام أولاً، ثم أتبعه بالثاني وهو الذي يتألف منه الكلام.
وللإشارة إلى اختلاف الشرحين صرح بعضهم بقوله: وشرحِ ما يتألف الكلام منه، كما صنع الكثير، السيوطي في شرحه والمكودي والأشموني وغيرهم، ونقول: الأولى عدم ذكر كلمة شرح من جهة الإعراب، وإنما تذكر من جهة البيان والإيضاح، فهو تقدير معنى لا تقدير إعراب.
والكلام خبر لمبتدأ محذوف، الأصل: هذا باب الكلام، هاء: حرف تنبيه، وذا: اسم إشارة مبتدأ، والإشارة إلى ما في الذهن من المعاني سواء قلنا: إن ما في داخل الترجمة وضع قبل الترجمة أو بعدها، وباب: خبره، والكلام بالجر مضاف إليه، ثم حذف هذا المبتدأ وحذف الخبر الذي هو باب مضاف وأقيم المضاف إليه الذي هو الكلام مقامه فارتفع ارتفاعه، وهذا أظهر وأشهر من جعل الكلام مبتدأً وخبره محذوف، ومن جعل الكلام بالنصب مفعولاً بمحذوف، وهذا كما ذكرنا أن غيره هو الأولى.
الكلام وما يتألف منه .. الكلام وما يتألف منه، يعني: وما يتألف الكلام منه، هنا أعاد الضمير بالتذكير منه، والأصل أن يقول: منها، يعني: يجوز الوجهان، أن يقول: منه، وأن يقول: منها، لماذا؟ لأن ما هذه اسم موصول يقع على الأشياء التي يتألف الكلام منها، وهذه الأشياء التي يتألف الكلام منها ثلاثة: اسم وفعل وحرف، فحينئذٍ هي من جهة المعنى مؤنث؛ لأنها جمع أشياء- جمع - ومن جهة اللفظ مذكر، وإذا عاد الضمير على الموصول وهو في اللفظ مذكر وفي المعنى مؤنث جاز الوجهان: أن يذكر اعتباراً باللفظ، وأن يؤنث اعتباراً بالمعنى، فيجوز: وما يتألف الكلام منها، يعني: من هذه الأشياء الثلاثة، وما يتألف الكلام منه، يعني: من هذه الأشياء الثلاثة، هذا جائز وذاك جائز.
قال: وما يتألف منها، مراعاة لما وقعت عليه: ما، يعني: المعنى المؤنث، والذي وقعت عليه ما الأشياء الثلاثة: الاسم والفعل والحرف، قال: وما يتألف، ولم يقل: ما يتركب؛ لأن ثم فرق بين التركيب والتأليف، التركيب: وضع شيءٍ على شيءٍ مطلقاً، سواء كان على جهة الثبوت أو لا، وسواء كان بينهما مناسبة أو لا.
إذا كان وضع شيءٍ على شيءٍ على جهة الثبوت فهذا يسمى: بناءً، ولذلك يقال: كل بناء تركيب ولا عكس، العلاقة بينهما العموم والخصوص المطلق، وإذا كان وضع شيءٍ على شيءٍ على وجه المناسبة بينهما فهو تأليف، ولذلك التأليف أخص من التركيب، فكل تأليف تركيب ولا عكس.