قال الرضي: والفرق بين اللقب والكنية معنىً، يعني ما الفرق بين هذا وذاك؟ أنف الناقة، الصديق، الفاروق، ما الفرق بينه وبين الكنية؟ قال: الفرق معنىً أن اللقب يُمدح المُلَقَبُ به أو يُذم بمعنى ذلك اللفظ، ما تحمَّله اللفظ من معنى يصدق على المُلَقَبِ به. الصديق هذا لقب لكثرة صدقه، والفاروق، لأن الله تعالى فرق به بين الحق والباطل، زين العابدين، لأنه كان من العباد ومن أجودهم وأحسنهم، أنف الناقة؛ لأنه كان من الأفعال ما يصير أنفاً للناقة.
أن اللقب يمدح الملقب به أو يذم بمعنى ذلك اللفظ، بخلاف الكنية؛ فإنه لا يعظم المكني بمعناها بل بعدم التصريح بالاسم ليس لها معنى، أبو عبد الله، كل الناس أبو، ليس فيه معنىً ينفرد به عن غيره بخلاف زين العابدين والصديق والفاروق ونحو ذلك، هذا فيه معنى قد ينفرد به عن غيره، أما أبو عبد الله وأم عبد الله، كل الناس، كل من كني فيكون هذا الوصف مشتركاً.
إذاً: ليس المدح بما دل عليه لفظ الكنية، وإنما بكونه لم يصرح باسمه، -هذا فيه تعظيم- بخلاف الكنية؛ فإنه لا يعظم المكني بمعناها، بل بعدم التصريح بالاسم، فإن بعض النفوس تأنف أن تخاطَب باسمها، بعض النفوس تأنف، لا تقل له: يا زين، لا بد أن تأتي بكنيته أو نحو ذلك، فإذا كان الفرق بين الكنية واللقب: أن يكون المعنى المراد من اللقب حصل به المدح أو الذم حينئذ دل اللفظ على مسماه، وإذا كان المراد بالكنية ليس معناها الذي هو الوضعي في لسان العرب وإنما من جهة عدم التصريح باسمه تعظيماً له، لا يقال: يا زيد أو يا محمد .. إلى آخره.
أُكنيهِ حِينَ أُنادِيهِ لأُكرِمَهُ ... ولاَ أُلقِّبهُ والسوأَةُ اللَّقَبُ
وَاسْمَاً أتَى وَكُنْيَةً وَلَقَبَا
عرفنا هذه الثلاثة.
وَأخِّرَنْ ذَا إنْ سِوَاهُ صَحِبَا
وَأخِّرَنْ: وجوباً، ولذلك جاء بفعل الأمر مؤكَّداً بنون التوكيد الخفيفة، إذاً هو واجب وهو مراد المصنف.
وَأخِّرَنْ ذَا: المشار إليه يعود إلى أقرب مذكور وهو اللقب.
إنْ سِوَاهُ: سوى اللقب.
صَحِبَا: الألف للإطلاق.
بعد ما قسم لك العلم إلى اسم وكنية ولقباً، قد يجتمع بعضها مع بعض أو قد يجتمع الجميع، هل بينها ترتيب أو تقول ما شئت؟ قال: لا.
وَأخِّرَنْ ذَا إنْ سِوَاهُ صَحِبَا: إذا صحب اللقب الاسم أو الكنية وجب تأخير اللقب، وهل هذا متفق عليه؟ الجواب: لا.
وَأخِّرَنْ ذَا: أي اللقب.
إنْ سِوَاهُ صَحِبَا: إذا صحب اللقب الاسم وجب تأخيره، زيد أنف الناقة، زيد زين العابدين وجب تأخير اللقب، ولا يصح أن تقول: زين العابدين زيد، أنف الناقة زيد نقول: هذا لا يجوز، بل يجب تأخير اللقب عن الاسم.
ولا يجوز تقديمه على الاسم، فلا تقول: أنف الناقة زيد إلا قليلاً ومنه قول الشاعر:
بِأَنَّ ذَا الْكَلْبِ عَمْراً خَيْرَهُمْ حَسَباً ... بِبَطْنِ شِرْيَانَ يَعْوِي حَوْلَهُ الذِّيبُ
بأن ذا الكلب عمْراً صاحب الكلب، بأن ذا، ذا: اسم إشارة بمعنى: صاحب، اسم أن.
الكلب: صاحب الكلب عمْراً كيف يكون لقباً إذاً؟ ما يكون لقباً.
بِأَنَّ ذَا الْكَلْبِ عَمْراً خَيْرَهُمْ حَسَباً، إذا جُعِل ذا اسم بمعنى صاحب هذا فيه إشكال.