إذاً: أيهما أعم؟ النكرة أعم، وإذا كانت كذلك فهي الأصل، ولأنها لا تحتاج في دلالتها على المعنى الذي وضعت له إلى قرينة، يعني لا تحتاج إلى سبب، بخلاف المعرفة؛ فإنها تحتاج إلى سبب وإلى قرينة، وما افتقر واحتاج إلى سبب أو قرينة فرع عما لا يحتاج، لأنك لا تحكم على الكلمة أو الاسم بأنه معرفة إلا إذا اتصلت به (أل) أو كان ضميراً، أو كان علماً، أو كان اسم إشارة، أو كان موصولاً، أو كان مضافاً إلى معرفة أو منادى، إذاً: قرينة هذه، تقول: الرجل معرفة، لماذا؟ لوجود (أل)، الذي: معرفة، لماذا؟ لوجود الصلة، هذا رجل، هذا معرفة لماذا؟ نقول: معرفة، لأنه اسم إشارة بقرينة الحس، وحينئذ احتجنا إلى الحكم على المعرفة بشيء زائد على مجرد النطق باللفظ، لا بد من قرينة، وحينئذ نقول: ما احتاج في الحكم عليه بكونه معرفة إلى سبب خارج عن اللفظ فرع عما لا يحتاج، ولذلك نحكم 0رجل) نقول: هذا نكرة، لماذا نكرة؟ لا نقول لماذا نكرة؟ لأنه هكذا مطلقاً، نقول: هو نكرة، لو أردنا أن نحكم على المعرفة، الرجل معرفة، تقول: لماذا هو معرفة؟ لدخول (أل).

إذاً: ما احتاج إلى سبب نقول: هذا فرع عما لا يحتاج، بخلاف المعرفة فإنها لا تحتاج، وما يحتاج إلى شيء فرع عما لا يحتاج إليه.

النكرة والمعرفة، قال رحمه الله تعالى:

نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا

وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ ... أَوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا

...................................

دل على أن القسمة ثنائية؛ لأنه قال: نَكِرَةٌ ثم عرفها، ثم قال: وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ، غير المذكور أو غير ما ذكر معرفة، وحينئذ قابل النكرة بالمعرفة، فدل على أنه لا واسطة بين النكرة والمعرفة.

وقد قال بعضهم بأن ثَمَّ ألفاظ يحكم عليها بأنها ليست بمعرفة ولا نكرة، وهو ما خلا من (أل) والتنوين، كل ما لا يدخل عليه (أل) والتنوين هو واسطة بين المعرفة والنكرة، كـ (من وما) (من) الموصولة مثلاً أو (من) الشرطية أو (من) الاستفهامية هذه لا تقبل (أل)، لا يقال: المن، ولا يقال: منن، إذاً لا تقبل التنوين ولا تقبل (أل).

كل ما خلا من (أل) ولا يقبل التنوين فهو واسطة بين المعرفة والنكرة، وهذا فاسد، يعني رده سهل، يقال: بأن الضمائر كلها لا تقبل (أل) ولا تقبل التنوين، هل نحكم عليه بأنها واسطة؟ الضمائر كلها: قمت التاء هذه ضمير وهي معرفة بإجماع لا خلاف فيه، وحينئذ هل التاء من قمت تقبل (أل)؟ لا، والتاء نحن نقول التاء هذا اسم، المسمى قمت (ت) هذا الذي في اتصل به الفعل قمت هو الذي لا يقبل (أل)، وأما التاء فهذا اسم مسماه قمت الذي اتصل به، وحينئذ نقول: الضمائر كلها لا تقبل (أل) ولا يدخلها التنوين، هل نحكم عليها بأنها واسطة؟ الجواب: لا، بإجماع، فدل على أن هذا التعليل فاسد من أصله.

إذاً قوله: نكرة، ثم قال: وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ دل على أن الاسم ينقسم بحسب التنكير والتعريف إلى قسمين اثنين لا ثالث لهما البتة، وبهذا التقسيم يرد على من أثبت الواسطة وهو ما خلا من (أل) والتنوين بأنه لا يحكم عليه بكونه معرفة ولا نكرة، ورده بوجود الضمائر، وأنها معارف بالإجماع وهي لا تقبل (أل) ولا تقبل التنوين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015