سبق أمر الثلاثي الذي يسكن ثاني مضارعه لفظاً، قلنا: (لفظاً) له احتراز، لو كان ثانيه ساكن تقديراً لا لفظاً، هل نجتلب همزة الوصل أو لا؟ الجواب: لا، مثل: يقول، (يقول) أصلها: يَقْوُل، إذاً الثاني ساكن، فإذا قلنا أمر الثلاثي الذي يسكن ثاني مضارعه حينئذٍ شَمِل ما كان تقديراً، لأنَّ الحكم يكون باعتبار الأصل، و (يَقْوُل) ساكن الثاني، لكن ليس لفظاً وإنَّما تقديراً لأنَّ أصله: يَقْوُل، اسْتُثْقِلَت الضَّمًّة على القاف وَنُقِلت إلى الساكن قبلها صار: يقول.
إذاً: يقول نقول فيه: قُلْ، يَعِدُ نقول فيه: عِدْ، ولو سُكِّن تقديراً كقولك في الأمر من: يقوم .. قُمْ، وَيُسْتَثْنى: خُذْ وَكُلْ وَمُرْ، سبقت معنا مراراً هذه، (خُذْ) أصلها: يأخذ .. يأكل .. يأمر، الأمر منها: خُذْ وَكُلْ وَمُرْ، نقول: هذا سماعي بِمعنى: أنَّ الاستثناء هنا لورود السَّماع بكون: خُذْ وَمُرْ وَكُلْ، قد وردت بدون همزة الوصل، وإلا الأصل: أنَّها بهمزة الوصل.
إذاً: يُسْتَثْنَى: خُذْ وَكُلْ وَمُرْ، فإنها يُسَكَّن ثاني مضارعها لفظاً، والأكثر في الأمر منها حذف الفاء والاستغناء عن همزة الوصل، هذه شاذَّة .. شَذَّت عن القاعدة .. خرجت، ولذلك نَصَّ ابن مالك عليها بأنَّها شاذَّة في (اللامية) وغيرها.
إذاً قوله:
. . . . . . . . . . . وَكَذَا ... أَمْرُ الثُّلاَثِي كَاخْشَ وَامْضِ وَانْفُذَا
(وَانْفُذَا) الألف هذه للإطلاق، (أَمْرُ الثُّلاَثِي كَاخْشَ) يعني: وذلك (كَاخْشَ) اخْشَ .. امْضِ .. انْفُذ، (انْفُذ) بِضَمِّ الهمزة.
قال الشَّارح: " لَمَّا كان الفعل أصلاً في التَّصريف اخْتَصَّ بكثرة مَجِيء أوله ساكناً، فاحتاج إلى همزة الوصل " إذاً: أحوج ما يكون من الكلمات إلى همزة الوصل هو الفعل، وهذا قد يُجْعَل لماذا نَصَّ النَّاظم على قوله (كَاسْتَثْبِتُوا)؟ الأشْمُونِي وغيره قالوا هنا: المثال ليس لإعطاء الحكم، لأنَّه أطلق:
لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ لاَ يَثْبُتُ ... إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ كَاسْتَثْبِتُوا
قيَّده بأنَّه في الفعل، إذاً: لا يكون في الاسم، ولا يكون في الحرف، نقول: ليس هذا مراده، وإنَّما ذكر الفعل دون غيره:
أولاً: يريد أن يذكر مثالاً واحداً.
وثانياً: كان أولى ما يذكره هو الفعل للعِلَّة التي ذكرها ابن عقيل هنا: " لَمَّا كان الفعل أصلاً في التَّصريف اخْتصَّ بكثرة مجيء أوله ساكناً، فاحتاج إلى همزة الوصل، فكل فعلٍ ماضٍ احتوى على أكثر من أربعة أحرفٍ يجب الإتيان في أوله بهمزة الوصل " يعني: أوله (في) هنا ظرفية مجازية (في أوله).
ثُمَّ المراد كما هو ظاهر: الفعل الماضي، وفعل الأمر الباقيان على فِعْلِيَّتِهما، إذا سُمي بفعل الأمر نقول: همزته همزة وصل كما سبق، (كَذَا أَمْرُ الثُّلاَثِي) وَانْطَلَقَ وَاسْتَخْرَجَ، لو سَمَّيت رجلاً بـ: (انْطَلَقَ) حينئذٍ همزته تكون همزة قطع، تقول: جاء إنْطَلَقَ، على أنَّه همزة قطع، و (جاء إستخرج) .. (فقلت لإضْرِب) حينئذٍ تقطع الهمزة كما هو شأن سائر الأسماء.