والفقه في اللغة: الفهم، الفقه هو: الفهم، كل علم مفقوه يعني: مفهوم فليس خاصاً بالفقه الاصطلاحي عند المتأخرين حينئذٍ يكون من إطلاق العام وإرادة الخاص أو صار حقيقةً عرفيةً في اصطلاح القوم الذين اصطلحوا على هذا الاصطلاح، ولذلك الاصطلاح هذا يعرف بأنه: اتفاق طائفة مخصوصة على أمر معهود بينهم متى أطلق انصرف إليه.

فإذا كان النحاة اصطلحوا على أن الفاعل هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله حينئذٍ عند أهل اللغة الفاعل كل من أوجد الحدث أو الفعل فهو أعم؛ لأن: زيد قائم، زيد هذا فاعل زيد قائم فاعل أم لا؟ فاعل نعم؛ لأنه هو الذي أحدث القيام فهو فاعلٌ لغة لكنه ليس فاعلاً اصطلاحاً، فكل فاعل اصطلاحاً فهو فاعل لغة من غير عكس.

إذاً: اتفاق طائفة مخصوصة على أمر معهود بينهم متى أطلق انصرف إليه.

ومسائله: القواعد التي تبحث فيها كالفاعل مرفوع ونحو ذلك.

وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ ... مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ

تُقَرِّبُ الأقْصى .. تقرب، يعني: هذه الألفية للأفهام، الأقصى، يعني: الأبعد، وهل أفعل التفضيل على بابه أم لا؟ هل الألفية هذه إذا قربت للأفهام الأقصى الأبعد، هل يلزم منه أن تقرب البعيد، أم قد يفوته؟ قيل: يلزم، فحينئذٍ لا تكون أفعل التفضيل على بابها، بل تقرب الأقصى الأبعد والبعيد من باب أولى وأحرى.

وقيل: لا، لا يلزم من تقريب الأبعد تقريب البعيد؛ لأنه قد يعتني بالمعاني الدقيقة، فيفوته ما هو قريب من ذلك، وهذا أمر ملاحظ، حينئذٍ نحمل أقصى هنا على غير باب أفعل التفضيل، ونقول: تقرب هذه الألفية للأفهام .. فهم الطلبة الأقصى، يعني: الأبعد والبعيد فيشمل النوعين، لا من باب التلازم.

لو جعلناه من باب التلازم لقلنا: أفعل هنا على بابه، ولكن نقول: لا، ليس على بابه بل هو يشمل الأبعد والبعيد، أي: تقرب البعيد للأفهام أو الأبعد من المعاني.

بلفظ موجز: يعني: مع لفظ موجز، فالباء هنا بمعنى مع، أو للسببية يحتمل هذا ويحتمل ذاك، وكلاهما عليهما الشراح، يعني: بعضهم فسره بمعنى: مع.

مع لَفْظٍ مُوجَزِ: بسبب لفظ موجز، لا إشكال في هذا، فلفظ الباء بمعنى: مع، أي: تفعل ذلك مع وجازة اللفظ، أي: اختصاره، والأشموني مشى على هذا، أنها بمعنى: مع، ولم يجعلها سببية؛ لأن المعهود سبباً للتقريب، البسط لا الإيجاز، إذا أراد أن يفهم غيره حينئذٍ يختصر له الكلام اختصاراً أو يسهب؟ يفصل تفصيلاً أم أنه يختصر الكلام اختصاراً؟ إذا أريد الفهم على جهة البسط يفهم كل المسألة من أولها وآخرها، فحينئذٍ لا بد من البسط، فكيف يقول رحمه الله: تقرب الأقصى البعيد للأفهام، أفهام الطلبة بلفظ موجز، يعني: مع الاختصار، لذلك عدل الأشموني عن تفسير الباء هنا بكونها للسببية إلى كونها، بمعنى: مع.

ولذلك قال: ولم تجعل للسببية؛ لأن المعهود عند الناس وعند أهل العلم سبباً للتقريب البسط لا الإيجاز، ويصح كونها للسببية على الصواب فيكون فيه غاية المدح للمصنف، حيث اتصف بالقدرة على توضيح المعاني بالألفاظ الوجيزة التي من شأنها تبعيده، التي من شأنها: من شأن الألفاظ الوجيزة تبعيد المعاني الدقيقة، لكن لقدرة المصنف وبلاغته استطاع أن يعكس الأمر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015