حينئذٍ (قَوَلَ) حَرَّكَت الواو وانفتح ما قبلها فَقُلِبت ألف، هذا تغيير للبِنيَّة .. للوزن، صار (قَالَ) وكان (قَوَلَ)، كذلك: غَزَوَ، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً فقيل (غَزَى)، إذاً: هذا تغيير لبِنْيَّة الكلمة حيث حُوِّلت الألف وهي حرف عِلَّة إلى ألفٍ، هذا غرضٌ لفظيٌّ يَتعلَّق بذات اللفظ ولا يتعلَّق بالمعنى، وهذا الذي يعنيه النَّاظم بهذه الفصول الآتية المتوالية: (الإبْدَالُ) وما بعده.
إذاً: (التَّصْرِيْفُ) المراد به هنا: ما يَتعلَّق بتحويل الكلمة إلى أبنيةٍ مُختلفة لضروبٍ أو لغرضٍ لفظي، لا لغرضٍ معنوي.
قال النَّاظم:
حَرْفٌ وَشِبْهُهُ مِنَ الصَّرْف بَرِي ... وَما سِوَاهُمَا بِتَصْرِيفٍ حَرِي
الصَّرف الذي هو: التَّبديل، إنَّما مَحلُّه هو الأسماء المُتمكِّنَة، والأفعال المُتصرِّفة، إذ الكلمة ثلاثة أقسام: اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ، والاسم نوعان: مُعرب ومبني .. مُتمكِّن وغير مُتمكِّن.
والفعل نوعان: مُتصرِّف بنوعيه: التصرُّف التَّام والتَصَرُّف النَّاقص، وغير مُتصرِّف وهو المُعنْوَن له بـ: الجامد.
والحرف: هذا يُقابل الاسم والفعل.
يخرج من التَّصْرِيف قسم من قسمي الاسم، وقسمٌ من قسمي الفعل، ثُمَّ القسم الثالث من أقسام الكلمة كذلك يخرج ولا حَظَّ له في التَّصرِيف، فيخرج من قسمي الاسم: المبني، (المبني) لا حظَّ له من الصَّرْف، ويخرج من قسمي الفعل: الجامد: عَسَى وَلَيْسَ وَنِعْمَ وَبِئْسَ وما شاكلها، فهذه الأفعال لا حَظَّ لها في الصَّرْف.
إذاً: خرج قسمان، فما سُمِع من تصريف بعض الأسماء المبنية غير المُتمكِّنَة هذا شاذ، ولذلك قلنا: (ذَيَّ) و (تَيَّ) و (اللذَيَّ) و (اللتَيَّ) هذه شَاذَّة لكونها مبْنيَّة، ولأنَّ التَّصغير نوعٌ من الصَّرْف، لأنَّه تحويل كلمة إلى أبْنِيةٍ مُختلفة وهذا منها، هنا الغرض منه معنوي وتبعه غرضٌ لفظي، لأنَّه قد يُقال: بأنَّه أُبْدِلت الواو ياءً، وأدغمت الياء في الياء، هذا لفظي .. يَتعلَّق باللفظ، لكن قد يصاحبه شيءٌ من المعنى، وقد لا يصاحبه شيءٌ من المعنى، فيكون مُجرَّد غرض لفظي.
حينئذٍ نقول: خرج نوعان من نوعي الاسم، ونوعي الفعل، وكذلك الحرف، والحرف جامد فلا يقبل التَّصرُّف، لأنَّ التَّصرُّف هو تغيير وتبديل بقلب وحذف إلى آخره وزيادة وإدغام ونقل، وهذا الحرف لجموده لا يقبل، فما أشبه الحرف من الأسماء وهي غير المُتمكِّنَة المبْنيَّة لأنَّها جامدة كالمضمرات وأسماء الإشارة، والموصولات ونحو ذلك، وما أشبه الحرف في الجمود من الأفعال الجامدة قلنا: هذا لا نصيب له من الصَّرف، لأنَّ الصَّرْف فيه تحويل وتغيير وزيادة حرف وحذف حرف، ونقل وقلب وإدغام، هذه كلها لا يقبلها الحرف، وإنَّما يقبلها الاسم المُتمكِّن، والفعل المُتصرِّف.
لذلك قال النَّاظم بياناً لِمحلِّ التَّصريف، أين يكون هذا القلب ونحوه؟
(حَرْفٌ وَشِبْهُهُ) (حَرْفٌ) هذا مبتدأ، (وَشِبْهُهُ) الواو حرف عطف، (شِبْهُهُ) معطوف على حرف، (شِبْهُ) مضاف والضمير مبني على الضَّم، (وَشِبْهُهُ) معطوفٌ على (حَرْف)، والمعطوف على المرفوع مرفوع، (وَشِبْهُ) مضاف، والضمير مبني على الضَّمّْ في مَحلِّ جر مضاف إليه.