حينئذٍ نقول: جعل المفرد مُثَنىً، وجعل المفرد جمعاً، هذا من مباحث الصرفيين، وإنَّما ذكره النُّحاة عندهم لبيان الإعراب الذي لا يمكن أن يفهمه الطالب إلا بمعرفة المثنَّى، ما هو المُثَنَّى .. ما هي شروطه؟ النَّحوي لا يبحث في هذا، وإنَّما يبحث فيه تبعاً لا استقلالاً .. ليس هذا فَنُّه، وإنَّما فَنُّه أن يبحث في أحوال الكلمة من حيث الإعراب والبناء، يعني: بماذا يُعْرَب المثنَّى، وبماذا يُعْرَب الجمع فقط، ألفٌ ونون وياءٌ ونون، أمَّا كيفيَّة التَّوصُّل إلى المثنَّى، وكيفية التَّوصُّل إلى الجمع فهذا ليس من مبحث النُّحاة.
لذلك قلنا النَّحو: هو عِلمٌ بأصولٍ يُعْرَف بها أحوال أواخر الكلم، فقط من حيث الإعراب والبناء، وما عدا ذلك ليس من مباحث النُّحاة استقلالاً .. أصالةً، وإنَّما على جهة التَّبع.
ولذلك في كتب الصَّرفيين يذكرون التَّثنية والجمع ونحو ذلك، جمع التَّكسير، وما قد يعتري جمع المُذكَّر السَّالم، والتَّثنية.
إذاً: الأول الذي هو تَّغيير لغرض معنوي، كتغيير المفرد إلى التَّثنية: زيد .. زيدان، زيد .. زيدون، هند .. هندات، تَغيَّر المفرد هنا من واحدٍ إلى مُثَنَّىً: زيد .. زيدان، هند .. هندان، حصل تغيير في البِنْيَّة، كذلك: زيد .. زيدون، وهند وهندات، حصل تغيير في المفرد، نقول: هذا تغيير معنوي، لأنَّه أثَّر في الكلمة، بمعنى: أنَّ مدلول (زيد) ليس هو مدلول (الزَّيدان)، ومدلول (هند) ليس هو مدلول (الهندان)، ومدلول (زيد) ليس هو مدلول (الزَّيْدون)، و (الهند) و (الهندات) كذلك، إذاً: تَغيَّر المعنى.
وكذلك تغيير المصدر إلى الفعل والوصف: ضَرْب، نأخذ منه: ضَرَبَ وَيَضْرِبْ وَاضْرِبْ، كذلك الوصف: ضارب ومضروب، حينئذٍ هذه كلها تغييرٌ للمصدر أدَّى إلى تغيير المعنى، الغرض من تحويل المصدر إلى الفعل غرضٌ معنوي، والغرض من تحويل المصدر إلى الوصف .. اسم الفاعل واسم المفعول هذا غرضٌ معنوي، يعني: يَتعلَّق بالمعنى.
والثَّاني الذي هو التَّغيير اللفظي كتغيير (قَوَلَ) إلى: قال، و (غَزَوَ) إلى: غزى، (قَوَلَ) هذا مَأخوذٌ من القول، إذاً اجتمع في (قَوَلَ) التَّغييران: التَّغيير المعنوي، والتَّغيير اللفظي.
أولاً: كون (قَوَلَ) مأخوذاً من القول، هذا تغيير معنوي، لأنَّ (قَوَلَ) فعلٌ ماضي، غُيِّر وَحُوِّل المصدر إلى: قَوَلَ، حينئذٍ هذا تغييرٌ معنوي، حُوِّل المصدر إلى الفعل الماضي، ثُمَّ (قَوَلَ) وسطه حرف عِلَّة، وتحرَّك وانفتح ما قبله، نُغَيِّره إلى: قَالَ، حصل فيه تغيير، هل هذا التَّغيير من (قَوَلَ) إلى (قال) له معنى؟ ليس له معنى .. مُجَرَّد لفظ لم يُؤَثِّر، وإنَّما عُلِم (قَوَلَ) أنَّه دَالٌّ على حدثٍ وزمنٍ انقضى وانقطع من الصِّيغة نفسها على وزن (فَعَلَ)، ثُمَّ كونه مُعتلَّ العين .. مُعتلَّ اللام، وينقلب ويتحرَّك، كُلُّ هذه هي التي سيبحثها النَّاظم وهي الغرض اللفظي.