(فَدِرْهَمَاكَ) الفاء للتَّفريع، (دِرْهَمَاكَ) هذا مبتدأ أول، و (مَنْ) شرطيَّة .. مبتدأ ثاني، (يُمِلْهُ لَمْ يُصَدّْ) فعل الشَّرط وجوابه، والجملة (يُمِلْهُ لَمْ يُصَدّْ) خبر المبتدأ الثاني (مَنْ) المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول (دِرْهَمَاكَ).
هنا قوله: (وَفَصْلُ الْهَا) أطلقه، وقَيَّده غيره بألا يَنْضَمَّ ما قبلها احترازاً من نحو: هو يَضْرِبُها، فإنَّه لا يُمَال.
إذاً السَّبَب الخامس: أن يسبقها أو يتلوها كسرة، هذا الأصل فيه: أن يكون مباشر له، كذا ما يليه كسرٌ نحو: عَالِمْ، ألفٌ يتبعها كسرة، أو يلي الألف تالي كسرٍ نحو: كِتَاب، هي لم تتبع الكسر وإنَّما تبعت تابع الكسر، أو يُفصَل بينها وبين الكسر بحرفين لكن أوَّلهما ساكن، فإن فُصِل بثلاثة أوَّلهما ساكن وأحد هذه الثَّلاثة الهاء لا عبرة بالهاء .. لا يُعَدُّ فاصلاً.
إذاً: في هذين البيتين ذكر خمس صور:
- الأولى: أن يقع الكسر بعد الألف، مثل: عَالِمْ .. مَسَاجِدْ، وشرط: أن يليها، لأنَّه قال: (مَا يَلِيهِ) هذا شرطٌ لا بُدَّ أن يكون تالياً لها نحو: عَالِمْ وَمَسَاجِدْ.
- الثانية: أن يقع الكسر قبلها، فرقٌ بين أن يتلوها وأن تكون هي تابعةً، إن كان الكسر بعدها فاشترط النَّاظم: أن يكون تالياً لها يعني: بلا فَصْلٍ، متى؟ إذا كان الكسر بعدها، (كَذَاكَ مَا) ألفٌ (يَلِيهِ كَسْرٌ) مباشرة، أو هي تلي الكسرة، ثُمَّ لا يمكن أن تكون مُباشرة متَّصلة بها، لأنَّ الألف ما يُكْسَر ما قبلها، حينئذٍ قد يكون ثَمَّ فاصل أو فاصلين بالشُّروط السَّابقة.
الصورة الثانية: أن يقع الكسر قبل هاء وفيه أربع صور – النتيجة خمسة -:
- أولها: أن تكون منفصلة بحرفٍ واحد مثل: كِتَاب، كِتَاب هنا الكسر سابق على الألف، والفاصل حرفٌ واحد: كِتَاب وَعِمَاد.
- وثانيها: أن تكون منفصلة بحرفين أولهما ساكن نحو: شِمْلَاَلْ.
- وثالثها: أن تكون منفصلة بحرفين مُتَحَرِّكَين ثانيهما الهاء نحو: يُرِيد أن يَضْرِبَها، هذا إذا عَمَّمنا كلام النَّاظم وجعلناه مستقلَّاً، يعني قوله: (وَفَصْلُ الْهَا) لأنَّ المثال .. قوله: (دِرْهَمَاكَ) هذا يوافق: شِمْلَاَلْ، أو يُخالف .. أين الكسرة؟ دِرْ .. في الدَّال: (دِرْهَمَاكَ) مثل: كِتَاب، إذاً الدَّال مكسورة، أين الألف؟ بعد الميم، كم فصل بين الدَّال المكسورة والألف؟ ثلاثة أحرف، (دِرْهَمَاكَ) الرَّاء ساكنة مثل: شِمْلَالْ، ألحق بعضهم بهذه الصورة ما إذا كانا مُتَحَرِّكين ثالثها هاءٌ، فعمَّموا كلام النَّاظم، مع كون النَّاظم ظاهر كلامه فيما سبق.
على كلٍ الصورة الثالثة: أن تكون منفصلة بحرفين مُتَحَرِّكين ثانيهما الهاء - وهذه زادها المكُودِي - نحو: يريد أن يَضْرِبَها، يَضْرِبَها فُصِل بينهما بِمُتَحَرِّكين ثانيهما هاء.
- رابعها: أن تكون منفصلة بحرفٍ ساكنٍ وَمُتَحَرِّكين أحدهما الهاء، وهذه التي نَصَّ عليها النَّاظم، وقد مثَّل لذلك بقوله:
فَدِرْهَمَاكَ مَنْ يُمِلْهُ لَمْ يُصَدّْ ..
فالألف في هذه المُثُل كلها يجوز إمالتها.