ثُمَّ قال .. استدرك: (وَالْفَصْلُ اغْتُفِرَ) فهمنا أنَّ قولهِ: (تَالِي) مُراده به الاتِّصال مباشرة مثل: (بَيَان) و (شَيْبَان)، هذا الأصل وهذا ظاهر كلامه، ثُمَّ لَمَّا كان بعض الانفصال لا يُؤَثِّر استثناه بقوله: (وَالْفَصْلُ) هذا مبتدأ، (اغْتُفِرَ) مُغَيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (الْفَصْل)، والجملة خبر.
(بِحَرْفٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (اغْتُفِرَ)، (أَوْ) للتَّنويع، (مَعَ هَا) هذا قيل: معطوفٌ على مُقَدَّر والتَّقدير (بِحَرْفٍ) وحده، (أَوْ مَعَ هَا) هكذا قاله المكُودِي، وقيل: معطوفٌ على حرفٍ، لكن على تقدير: (أوْ حَرفٍ مَعْ هَا).
إمَّا أن نقول: (أَوْ) هذا حرف عطف، إمَّا أنَّه معطوفٌ على مُقدَّر، أو بحرفٍ وحده .. حذف (وحده)، (أَوْ مَعْ هَا) لا إشكال فيه .. هذا واضح، أو نقول: لا تقدير في حرف، وإنَّما التَّقدير فيما بعد (أَوْ): بِحَرْفٍ أَوْ مَعْ .. (أَوْ حَرْفٍ مَعْ هَا)، لأنَّ قوله: (أَوْ مَعْ هَا) هذا إطلاق يشمل حرفين وثلاثة وأربعة وعشرة، لكن لا بُدَّ من التَّقدير، فإمَّا أن نقول: بحرفٍ وحده، (أَوْ مَعْ هَا) فالتَّقدير ما قبل (أَوْ) لا ما بعدها، أو نقول: ما بعد (أَوْ) فيه مُقَدَّر (بِحَرْفٍ أَوْ حَرْفٍ مَعَ هَا).
فهمنا أنَّ الفاصل لا يخرج عن نوعين:
- إمَّا أن يكون حرفاً واحداً كـ: شيبان.
- أو بحرفين ثانيهما هاء.
قوله: (بحرفين ثانيهما هاء) لا يَدُلُّ عليه قوله: (أَوْ مَعْ هَا)، هل يُفْهَم منه (أَوْ مَعْ هَا) أنَّه حرف أو حرفين أو ثلاث؟ ما يُفْهَم، فلا بُدَّ من التَّقدير، لأنَّه أراد الصورة الثانية: وهي أن يكون مع الهاء حرفٌ آخر.
(كَجَيْبَهَا أَدِرْ) يعني: كقولك، (مَعْ هَا) قصره للضرورة، كقولك: (جَيْبَهَا أَدِرْ) أدر جيبها، (جَيْبَ) هذا مفعول به مُقدَّم، و (جَيْبَهَا) فُصِل بين الألف - (هَا) الألف هذه التي بعد (الهاء) - فُصِل بينها وبين الياء: جيـ .. بحرفين الباء والهاء، وكانت الثانية هاء.
قوله: (أَوْ مَعْ هَا) أطلقه النَّاظم، وبعضهم قَيَّده بِما إذا لم يُضَمَّ ما قبلها، قيَّده غيره: بألا يكون قبل الهاء ضَمَّة، (جَيْبُهَا) هذا لا يُمَال، فإنَّه لا يجوز فيه الإمالة وإن أطلقه النَّاظم هنا، فشمل ما كان قبل الهاء ضَمَّة، وما عداها، والصَّواب: تقييده بألا يكون قبلها ضَمَّة، يعني: قبل الهاء نحو: هذا جَيْبُها، ليس كقوله: (أَدِرْ جَيْبَهَا) فإنَّه يُمَال مُطلقاً، وأمَّا إذا ضُمَّت فلا.
وإنَّما اغتفر الفصل بالهاء لخفائها، فلم تعد حاجزاً، واغْتُفِر الفصل بحرفٍ واحدٍ لِقلَّة الفصل.
قال الشَّارح: " كذاك تُمَال الألف الواقعة بعد الياء مُتَّصلة بها نحو: بَيَان، أو منفصلة بحرفٍ نحو: يَسَار، أو بحرفين أحدهما هاءٌ نحو: (أدِرْ جَيْبَهَا) فإن لم يكن أحدهما هاءً امتنعت الإمالة؛ لبعد الألف عن الياء نحو: بَيْنَنا " والله أعلم.