قال الشَّارح: يجوز الوقف بهاء السَّكْت على كل مُتَحَرِّكٍ بحركة بناءٍ لازمة لا تشبه حركة إعراب - هذه ثلاثة قيود - كقولك في (كيف): كيفه - بِهاء السَّكْت - ولا يُوقف بها على ما حركته إعرابية: جاء زَيْدٌ لا تقل: جاء زيده، ما يجوز، ولا على ما حركته مُشْبِهَةٌ للحركة الإعرابية كحركة الفعل الماضي، ولا على ما حركته البنائية غير لازمة نحو: قَبْلُ وَبَعْدُ، والمنادى المفرد: يا زَيْدُ .. يا رَجُل، واسم (لا) التي لنفي الجنس نحو: لا رَجُلَ، وَشَذَّ وصلها بما حركته البنائية غير لازمةٍ كقولهم في (مِنْ عَلُ): مِنْ عَلُهْ، هذا قول الشَّاعر:
يَا رُبَّ يَوْمٍ لِيَ لاَ أُظَلَّلُهْ ... أَرْمَضُ مِنْ تَحْتُ وأَضْحَى مِنْ عَلُهْ
(مِنْ عَلُهْ) (عَلُ) قلنا: (قبل) و (بعد) لا تلحقه هاء السَّكْت، وهنا الشَّاعر قال: (مِنْ عَلُهْ) هذا شاذٌّ، لأنَّ حركة (عَلُهْ) حركة بناءٍ عارضة وليس ببناءٍ لازم، حينئذٍ لا يصح الوقف عليه بهاء السَّكْت، وهي حركة بناءٍ عارضة لقطعها عن الإضافة فهي كـ: (قبل) و (بعد)، واسْتُحسِن إلحاقها بِما حركته دائمة لا لازمة، إذاً: ليس بواجب، (وَفِي الْمُدَامِ اسْتُحْسِنَا).
وَرُبَّمَا أُعْطِيَ لَفْظُ الْوَصْلِ مَا ... لِلوَقْفِ نَثْراً وَفَشَا مُنْتَظِمَا
الوقف ما سبق أحكامه كلها: التَّسكين وهاء السَّكْت إلى آخره، قد يُجْرَى الوصل مُجْرَى الوقف، يعني: يُوصِل الكلام بِما يجب أن يُوقَف عليه، وحينئذٍ يُقال فيه: أجرى الوصل مُجْرَى الوقف.
قد يُعْطَى الوصل حكم الوقف، يعني: يُحْكَم للوصل بحكم الوقف فيعطى حكمه، وذلك كثيرٌ في النَّظم قليلٌ في النَّثر.
ومنه في النَّثْر قوله تعالى: ((لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ)) [البقرة:259] يعني: في الوصل (لَمْ يَتَسَنَّ) هنا قلنا: الوقف يكون بهاء السَّكْت، لأنَّه فعل مضارع .. مُسْتَحْسَن هذا .. جائز، فعل مضارع مجزوم، إذا وقفت (لَمْ يَتَسَنَّهْ) إذا وصلت الأصل أنَّك تُسْقِط هاء السَّكْت، لأنَّ هاء السَّكْت حالٌ للوقف لا للوصل، لكن قد يُجْرَى الوصل مُجْرَى الوقف .. كأنَّه وقف عليه ووصله مباشرة، فيقرأ هكذا: (لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ) هاء السَّكْت جاءت في الوصل، وهي إنَّما تأتي في الوقف: (ماهيه) .. (نَارٌ حَامِيَه)، (ماهيه) .. (ماهي) هذا الأصل، إذا وقفت عليه قلت: ماهيه، إذا وصلتها حينئذٍ تُجْرِي الوصل مُجْرَى الوقف .. كأنَّك وقفت عليها.
ومثله في الشِّعر:
مِثْلُ الحْرِيقِ وَافَقَ القَصَبَّا ..
(قَصَبَّا) مثل: شدَّ وَمَدَّ، أصلها: القصبة، شدَّد ووقف عليها، وَضَعَّف الباء وهي موصولة بحرف الإطلاق وهو الألف.
إذاً: (وَرُبَّمَا) للتَّقليل، (أُعْطِيَ) فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغة، (لَفْظُ الْوَصْلِ مَا لِلوَقْفِ) يعني: في الوصل تجري عليه الأحكام في الوقف، فحينئذٍ يُعْطَى ما حقه أن يُسَكَّن، أو أنَّه يوقف عليه بالتضعيف ونحو ذلك: أَعْطِهْ يَا زَيْدُ، الأصل: (أَعْطِ) تقف عليه بالسكون، أو (أَعْطِهْ) بهاء السَّكْت، قد تقول: أَعْطِه يَا زَيْدُ، وصلته كأنَّك وقفت عليه، هذا يُسَمَّى إجراءً للوصل مُجْرَى الوقف.