إذاً: هنا عندنا منطوق وعندنا مفهوم، (وَلَيْسَ حَتْماً) ليس إلحاق هاء السَّكْت بالفعل واجباً في غير (كَعِ) و (يَعِ)، إذاً: هو واجبٌ في (عِ) و (يعِ)، كأنَّه قال لك: يجب في موضعين فقط وهما: (عِهْ) و (لم يَعِه) في هذين الموضعين واجب، وما عداهما ليس حتماً، بالمنطوق نَصَّ على الجواز، وبفهومه نَصَّ على الوجوب، (وَلَيْسَ حَتْماً فِي سِوَى) .. (لَيْسَ حَتْماً) ليس واجباً، هذا منطوقٌ في نفي الوجوب أو في إثبات الوجوب؟ هذا نفيٌ للوجوب، إذاً: إثباتٌ للجواز.
إذاً: بالمنطوق نَصَّ على الجواز، وبالمفهوم على الوجوب، مع كون مسألتي الوجوب منطوقٌ بهما وهو: (يَعِ) و (عِهْ)، يعني: أنَّه إنَّما يجب لحاق هاء السَّكْت في نحو المثالين المذكورين تقويةً لهما.
وَفُهِم منه: أنَّ لحاقهما لِمَا بقي من حروفه أكثر من حرفين نحو: أَعْطِ ولم يُعْطِ، جائزٌ لا لازم، فتقول: لم يُعْطْ وَأَعْطْ، بالسكون، و (لم يُعْطِه) و (أَعْطِه) بإلحاق الهاء، وفي نحو: قِهْ ولم يِقِه، بإلحاق الهاء خَاصَّة.
قوله:
وَلَيْسَ حَتْماً فِي سِوَى مَا كَعِ أَوْ ... كَيَعِ مَجْزُومَاً. . . . . . . .
يعني: أنَّ الوقف بهاء السَّكْت على الفعل المُعلِّ بحذف الآخر، ليس واجباً في غير ما بقي على حرفٍ واحدٍ أو حرفين أحدهما زائد، وهذا أولى من شرح المكُودِي.
فك البيت هذا: وَلَيْسَ حَتْماً فِي سِوَى مَا كَعِ أَوْ كَيَعِ ما مراد الناظم هنا؛ لأنه عليه نقد؟ أنَّ الوقف بهاء السَّكْت على الفعل المُعلِّ بحذف الآخر، ليس واجبا، في ماذا؟ في غير ما بقي على حرفٍ (مَا كَعِ) أو حرفين أحدهما زائد.
فالأول نحو: عِهْ، هذا واجب أو جائز؟ واجب على ظاهر كلام النَّظم، أمرٌ من و (عَى) .. (يِعِ)، ونحوه: رِهْ، أَمْرٌ من رأى يَرى، لأنَّه بقي على حرفٍ واحدٍ، فما بقي على حرفٍ واحدٍ وهذا يُتَصَوَّر في فعل الأمر لا في الفعل المضارع، حينئذٍ (رِهْ) نقول: هذا واجب اتِّصال هاء السَّكْت، كذلك (قِهْ) .. (عِهْ) نقول: الوقف هنا بهاء السَّكْت واجب، لكونه على حرفٍ واحد، وهذا لا إشكال فيه .. القول بالوجوب في هذا لا إشكال فيه.
والثاني: لم يَعِهْ ولم يَرَهْ، يعني: الفعل المضارع المجزوم إذا حُذِف منه فاؤه ولامه مجزوماً، وبقي معه حرفٌ زائد (يَرَه) الياء زائدة، والرِّاء هي أصلٌ، حينئذٍ على ظاهر كلام النَّاظم يجب الوقف بهاء السَّكْت، فتقول: لم يَرَه .. لم يُعْطِه، بوجوب الوقوف بهاء السَّكْت، هذا ظاهر كلام النَّاظم.
والثاني: لم يَعِهْ ولم يَرَهْ، لأنَّ حرف المضارعة زائدٌ، فزيادة هاء السَّكْت في ذلك واجبةٌ لبقائه على أصلٍ واحدٍ، هذا ما قاله النَّاظم هنا.
قال ابن هشام في (التَّوْضِيح): "وهذا مردودٌ بإجماع المسلمين" يعني: القول بوجوبه في: لم يَعِه، مردودٌ بإجماع المسلمين، لأنَّه مُخالف، وإنَّما المشهور هو الأول، أمَّا: لم يَعْطِ، فهذا يجوز فيه الوجهان: يجوز إلحاقه بهاء السَّكْت، ويجوز عدم الإلحاق.