يعني: أنَّهم إذا قصدوا نِسبة شيء إلى أبٍ أو قبيلةٍ أو بلدٍ أو نحو ذلك جعلوا حرف إعرابه ياءً مُشدَّدة، (كَيَا الْكُرْسِيِّ) مكسوراً ما قبلها، كقولهم في النَّسب إلى (زيد): زَيْدِي، فحينئذٍ (كَيَا الْكُرْسِيِّ) انظر! في ياء (الْكُرْسِيِّ) ياءٌ مُشدَّدة قبلها كسرة .. محل إعرابٍ.
إذاً: ثلاثة أحكام مأخوذة من (يَا الْكُرْسِيِّ)، لكنَّها ليست ياء كرسي ياء نسب بدليل: أنَّها مُشَبَّهٌ بها والمشبَّه هو ياء النَّسب، والمشبَّه مُغَاير للمشبَّه به، إذاً: أراد النَّاظم هنا أن يُبيِّن أنَّ النَّسب إنَّما يكون على هذه الصيغة: ياءٌ مُشدَّدة قبلها كسرة: كُرْسِي، ثُمَّ الإعراب يكون على هذه الياء: (يَاءً كَيَا الْكُرْسيِّ).
إذاً: لم يعن النَّاظم بقوله: (يَاءً كَيَا الْكُرْسيِّ) أن ياء الكرسي هي ياء نسب، وإنَّما هي ياءٌ زائدة كما سبق معنا، أفهم قوله: (كَالْكُرْسيِّ) أمرين:
أولهما: التَّغيير اللفظي .. المذكور السابق .. الثلاثة الأشياء: من حيث إلحاق الياء المُشدَّدة، وكسر ما قبل الياء، هكذا قال الأشْمُونِي والمكُودِي وغيره، أنَّ النَّاظم هنا أراد بـ: (الْكُرْسِيِّ) الدلالة على التَّغييرات كلها، فدخل فيه أنَّ ما قبله يكون مكسوراً وهذا ظاهر، لكن قد يُقَال بأنَّ النَّاظم لم يُرِد هذا، وإنَّما أراد أنَّ الياء (كَيَا الْكُرْسِيِّ) في شيئين: أنَّها مُشدَّدة، وأنَّها محلُّ إعراب، وأمَّا كون ما قبلها مكسور فهذا قد يُوهِم أنَّ قوله:
وَكُلُّ مَا تَلِيهِ كَسْرُهُ وَجَبْ ..
يكون حشواً، لماذا؟ لأنَّه قد ذكره بالمثال، ومعلوم أنَّ ابن مالك رحمه الله يُعْطِي الأحكام بالأمثلة، فإذا أخذنا أن الياء مُشدَّدة (كَيَا الْكُرْسِيِّ) هذا حكم، وأخذنا أنَّها حرف إعرابٍ .. نُقِل إليه الإعراب هذا حكم، بقي: كسر ما قبلها، إن أخذناه من المثال وهذا ظاهر ولا بأس به، حينئذٍ كيف نُصْرِف قوله:
وَكُلُّ مَا تَلِيهِ كَسْرُهُ وَجَبْ ..
يعني: ما تليه الياء .. ما قبله يكون مكسوراً، حينئذٍ نقول: دلَّ قوله: (الْكُرْسِيِّ) على حكمين، والحكم الثالث نأخذه من الشطر الثاني، وهذا أولى.
والآخر .. الحكم الثاني من قوله (كالْكُرْسيِّ): أن ياء الكرسي ليست للنَّسب، لأنَّ المشبَّه به غير المشبَّه، لأنَّه شَبَّه هذه الياء (يَاءً زَادُوا لِلنَّسَبْ) يعني: ياء النَّسب، (كَيَا الْكُرْسيِّ) إذاً: شبَّه ياء النَّسب بياء الكرسي، ولو كانت ياء الكرسي .. ياء النَّسب لصار تشبيه الشيء بنفسه: زَيْدٌ كَزَيْد، سبق أنَّ هذا لا يجوز، إنَّما يُقال: زيدٌ كَعَمْروٍ .. عَمْروٌ كزيد، ياء النَّسب كياء الكرسي فيما ذُكِر، فدل على أنَّ المشبَّه مُغايرٌ للمشبَّه به، إذا: ياء الكرسي ليست للنسب.
وَكُلُّ مَا تَلِيهِ كَسْرُهُ وَجَبْ ..