بَعْدَ فَتْحٍ، أي: بعد إبقاء الفتحٍ الذي كان قبل الألف؛ لأنه مما أُلِفَ: أن الألف لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مفتوحاً، فالعبرة هنا بالأصل، يعني: خلفت الياء الألف، ثم ما قبل الألف ما هو؟ فتحة، هل نغيرها أم نبقيها كما هي؟ قال: أبقها، لماذا؟ لأن ثم أُلفَةً بين الألف والفتحة، تبقى على ما هي عليه في حالتي الجر والنصب؛ لأن النصب والجر هو في المعنى خلفٌ عن الرفع.
ولذلك الأصل أن يرفع الاسم، ثم يُنْتَقَل منه إلى النصب، ثم يُنْتَقَل منه إلى الجر، ولذلك: الأصل في الياء أنها تكون علامةً لأي شيء؟ للجر لا للنصب، وإنما هنا حمل النصب على الجر، سيأتي تعليله في جمع المذكر السالم، فحينئذٍ صار عندنا علامتان للمثنى، وهما الألف رفعاً والياء نصباً وجراً.
لكن هل الياء في الجر والنصب متحدتان أم مختلفتان؟ نقول: مختلفتان، وإن جرى في النطق أنهما متحدان كما قلنا في الضم والضمة .. في البناء والإعراب، لماذا؟ لأنك تقول: رأيت المسلمين، ومررت بالمسلمين، رأيت المسلمين: هذه الياء نائبةٌ عن ماذا؟ عن الفتحة، وبالمسلمين: هذه الياء نائبةٌ عن الكسرة.
مقتضي: العامل الذي يقتضي الياء التي نابت عن الكسرة هل هو عين المقتضي العامل الياء النائبة عن الفتحة؟ الجواب: لا، إذا اختلف العامل لزم من ذلك أن يتخلف التأثير، فالأثر الذي أحدثه عامل الجر لا يمكن أن يكون هو عين الأثر الذي أحدثه عامل النصب فافترقا.
ولذلك نقول: الأصل في الياء أنها عبارة عن كسرتين، كما أن الأصل في الألف أنها تكون للنصب لا للرفع.
وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا الأَلِفْ ... جَرّاً وَنَصْباً بَعْدَ فَتْحٍ قَدْ أُلِفْ
قال الشارح هنا: وحاصل ما ذكره: أن المثنى وما ألحق به يرفع بالألف، وينصب ويجر بالياء، هذا هو المشهور، وصحح أنه معربٌ بحركات مقدرة، والصواب: أنه متى ما نقل تغيير وتبديل الحروف حروف العلة لاختلاف العوامل فتعليق الأثر بهذا الحرف أولى من التقدير؛ لأن العرب ما غيرت، جاء رجلان، ورأيت رجلين، ومررت برجلين، خاصةً مع الصحة وجواز إقامة الحرف عن الحركة، هذا أولى من التكلف.
ومن العرب من يجعل المثنى والملحق به بالألف مطلقاً، يعني: فيه لغة أخرى، وهي: إلزامه الألف مطلقاً رفعاً ونصباً وجراً، وتقدر عليه الحركات، وهذه اللغة أنكرها المبرد، قالوا: وهو محجوج بالسماع.
والإعراب يكون بحركات مقدرة عليها، كالمقصور، وبعض من يلزمه الألف يعربه بحركات ظاهرةٍ على النون كالمفرد الصحيح، إذاً: فيه لغة ثالثة لكنها قليلة جداً، إذاً: المشهور أنه يعرب بالحروف، هناك من يلزمه الألف ويعربه بالحركات مقدرةً على الألف، وهناك من يلزمه الألف ويعربه بحركات ظاهرة على النون، فيقول: جاء الزيدانُ، ورأيت الزيدانَ، ومررت بالزيدانِ، وهي لغة قليلة جداً، لكن لا يجري الإنسان في كلامه إلا على الفصيح الذي سمع وكثر استعماله في لسان العرب.
إذاً: هذا خلاصة المثنى: أنه ما دل على اثنين بزيادةٍ في آخره صالح للتجريد وعطف مثله عليه، أنه يرفع بالألف، وينصب ويجر بالياء، ألحق به خمس كلمات: كلا، وكلتا، واثنان، واثنتان، والاسم المسمى به.
بقي الشروط هذه نأتي عليها غداً إن شاء الله.