أراد أن يبين ما ينصب به المثنى، فبين أن الياء تقوم مقام الفتحة والكسرة: وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا .. تخلف الياء، أي: تقوم مقامها .. مقام الألف، وتخلف الياء الألفَ، تخلف: فعل مضارع، والفاعل: الياء، والألف: مفعول به، إذاً: الياء تخلف الألف، يعني: ما معنى تخلف الألف؟ يعني: تقوم مقامها، في بيان مقتضى العامل لا في النوع الخاص بالألف وهو الرفع، والمراد: الخُلْفُ، ولو تقديراً ليدخل نحو: لبيك، ما لم يستعمل مرفوعاً كما سيأتي في الإضافة.
إذاً: وَتَخْلُفُ أي: تقوم مقامها الْيَا أي: توجد في محلها، لا أنها نائبةٌ عنها، إذا خلفت الياء الألف المعنى قد يكون أنها نابت عنها لا، لا تنوب عنها، الياء هذه علامة نصبٍ، والألف علامة رفعٍ فلا ينوب ما جعل علامةً للنصب والجر عما جعل علامةً للرفع، إذاً: تخلف، أي: توجد في محلها، لا أنها نائبةٌ عنها.
الْيَا: نقول: الياء فاعل تخلف، قصره للضرورة، الياء هذا الأصل، قصره للضرورة، والألف: مفعول به، (وجراً ونصباً): هذا بعضهم أعربه حال من المجرور بفي، يعني: مجرورةً ومنصوبةً.
قال الصبان: وفيه أن مجيء المصدر حالاً وإن كان كثيراً مقصوراً على السماع لا يقاس عليه، فالأولى كونه منصوباً على الظرفية بتقدير حذف مضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، والأصل: وقت جرٍّ ونصبٍ كما في آتيك طلوع الشمس، يعني: وقت طلوع الشمس، إذاً: جراً ونصباً ليس حالاً، حالة كونها مجرورةً ومنصوبةً، بل نقول: في وقت جرٍ وفي وقت نصبٍ، متى تخلف الياء الألف جراً ونصباً؟ يعني: في وقت جرٍ ونصبٍ.
فِي جَمِيعِهَا: الضمير يعود على ماذا هنا؟ على المثنى وما ألحق به، أي: في جميع الألفاظ المتقدم ذكرها، لكنه لم يذكر أفراداً للمثنى الحقيقي، وإنما ذكره جملةً، بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى هذا تحته عشرات مئات آلاف الأمثلة، ثم ذكر: كلا وكلتا واثنان واثنتان، أربعة، إذاً: ارجع الضمير على ما هو عام وهو المثنى، وعلى ما هو خاص وهو (كلا) وما عطف عليه.
جَمِيعِهَا: وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا، أي: جميع ما ذكر، سواء ذكره على وجه العموم في المثنى، أو على وجه الخصوص في الملحقات، جَرّاً وَنَصْباً بَعْدَ فَتْحٍ، يعني: هذه الياء تكون بعد فتحٍ، احترازاً من الياء التي تكون في جمع التصحيح؛ لأنها تكون بعد كسرٍ، فرق بين المسلمين والمسلمين.
بَعْدَ فَتْحٍ، يعني: بعد إبقاء فتحٍ لما قبلها، لما قبل الياء، قَدْ أُلِفْ، يعني: قد صار مألوفاً، لماذا صار مألوفاً؟ هنا نعلل بالسماع، قَدْ أُلِفْ، يعني: كأنه قال: قد عُلِمَ أوُلْفَة هذه الفتحة بكونها قبل الياء، ولا يوجد مثنى ياءٌ يعني: في حالة الياء نصباً وجراً وما قبله يكون مكسورً البتة، بل لا بد أن يكون مفتوحاً، وأما الجمع هو الذي يأتي بالكسر.
جراً ونصباً بعد إبقاء فتحٍ لما قبلها قد ألف، (قد ألف) قالوا: هذا في معنى التعليم، ذكره وإن كان يؤخذ الفتح من السكوت على ما قبل الألف الذي هو مفتوح؛ لأن التصريح أقوى في البيان، ولإفادة علة فتح ما قبل ياء المثنى وهي: أُلفَة الفتح مع الألف:
وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا الأَلِفْ ... جَرّاً وَنَصْباً بَعْدَ فَتْحٍ قَدْ أُلِفْ