إذاً: أجمعوا على جواز قصر الممدود اضطراراً .. هذا مجمعٌ عليه، ومثَّلوا له بقول الشاعر:

لاَ بُدَّ مِنْ صَنْعَا وَإِنْ طَالَ السَّفَرْ ..

وَأَهْلُ الْوَفَا مِنْ حَادِثٍ وَقَدِيمِ ..

(أَهْلُ الْوَفَاءِ) قصره .. وهذا جائز، واختلفوا في جواز مدِّ المقصور للضرورة.

إذاً: قوله: (وَقَصْرُ ذِي الْمَدِّ) (قَصْرُ) مبتدأ وهو مضاف، و (ذِي الْمَدِّ) (ذِي) يعني: صاحب المدِّ، وهو: الممدود، (اضْطِرَارَاً) هذا مفعولٌ له، (مُجْمَعٌ) هذا خبر، (عَلَيْهِ) يعني: على جوازه مُتعلِّق بقوله: (مُجْمَعٌ).

وأمَّا كيفيَّة القصر والذي يُحذف فلم يُنَبِّه عليه النَّاظم، والقياس: حذف الألف قبل الآخر، (وَالْعَكْسُ) وهو مدُّ المقصور اضطراراً، وهذا مبتدأ (يَقَعُ بِخُلْفٍ) كأنَّه أشار إلى الخلاف ولم يَجزم بالمنع.

ثُم قال رحمه الله: (كَيْفِيَّةُ تَثْنِيَةِ المَقْصُورِ وَالمَمْدُودِ وَجَمْعِهِمَا تَصْحِيْحَاً).

بعد ما بَيَّن لك الممدود وبَيَّن لك المقصور، فجعله كتوطئة وتقدِمة للتَّثنية والجمع، لأنَّ أحوالاً تَتَغيَّر بالتَّثنية والجمع.

(كَيْفِيَّةُ) لا حقيقة التَّثنية، لأنَّ حقيقة التَّثنية سبقت هناك، وبماذا يُعرب، وما حقيقة المثنَّى، كذلك الجمع تصحيحاً بنوعية: جمع المؤَنَّث السَّالم، وجمع المذكَّر السَّالم، حقيقتهما وإعرابهما ذهب فيما سبق في باب: المعرب والمبني.

وهنا المراد: التَّثنية، ثُمَّ ليست مُطلقة، وإنَّما هي خاصةٌ بالممدود والمقصور، لأنَّ تثنية غيرهما واضحة لا تحتاج: زيد .. زيدان، وزيد .. زيدون، وهند .. هندات، هذا الأصل فيه، حينئذٍ لا نَحتاج إلى كثرة التفاصيل، وإنَّما يُذكر الممدود والمقصور لِمَا ذُكِر.

(كَيْفِيَّةُ تَثْنِيَةِ المَقْصُورِ وَالمَمْدُودِ وَجَمْعِهِمَا) يعني: جمع المقصور والممدود، وهو قد ذَكَر جمع المقصور ولم يذكر جمع الممدود إحالةً على ما سبق، قيل: ترك المنقوص والأولى ذِكْرُه، لأنَّه تعتريه بعض الأحوال، حينئذٍ لا بُدَّ من ذكره، ولذلك الشُّراح استدركوا عليه ذلك.

(تَصْحِيْحَاً) هذا تَمييز مُحَوَّل عن جمع، (وَجَمْعِهِمَا تَصْحِيْحَاً) تمييزٌ محوَّل عن جمع، أي: وكيْفيَّة تصحيح جمعهما، حُذِف تصحيح وأُقِيم جمع مُقامه، ثُمَّ جيء بالمحذوف المضاف فانتصب على التمييز، أو مصدر في موضع الحال من جمعٍ، أي: مُصَحَّحاً .. وجمعهما مُصَحَّحاً.

قال رحمه الله:

آخِرَ مَقْصُورٍ تُثَنِّي اجْعَلَهُ يَا ... إِنْ كَانَ عَنْ ثَلاَثَةٍ مُرْتَقِيَا

كَذَا الَّذي الْيَا أَصْلُهُ نَحْوُ الْفَتَى ... وَالْجَامِدُ الَّذِي أُمِيلَ كَمَتَى

فِي غَيْرِ ذَا تُقْلَبُ وَاوَاً الأَلِفْ ... وَأَوْلِهَا مَا كَانَ قَبْلُ قَدْ أُلِفْ

إِنْ كَانَ عَنْ ثَلاَثَةٍ مُرْتَقِيَا ..

إذاً: ثَمَّ تفصيل (المَقْصُورُ) قد يكون ثلاثةً، وقد يكون أربعةً فصاعداً، قال:

إِنْ كَانَ عَنْ ثَلاَثَةٍ مُرْتَقِيَا ..

يعني: زائد .. ارتقى .. صعد، إن كان زائداً على ثلاثةٍ، يعني: رابعةً فصاعداً (اجْعَلَهُ يَا) اقلب الألف .. اجعلها ياء، فقوله:

إِنْ كَانَ عَنْ ثَلاَثَةٍ مُرْتَقِيَاً ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015