ليس المراد أن يكون له وزنٌ مُشترك في اللفظ فحسب، النظير هنا: أن يكون قريناً معه، يعني: زميل، داخل تحت قاعدة، كُلٌّ منهما يشتركان في هذه القاعدة: هذا جوىً، كما ذكرناه و (أسف) كُلٌّ منهما مصدرٌ لـ (فَعِل) اللازم، لا بُدَّ أن يكون هكذا، وأمَّا مُجرَّد أن هذا على وزن (فَعَلْ) وهذا على وزن (فَعَلْ) ثُمَّ نترك الأمر، لا بُدَّ أن يشتركا في كونهما ذي قاعدة صَرفيَّة.
إذاً: (الفتى) هذا له نظير وهو (بطل)، و (حِجا) على وزن (عِنَبْ) له نظيرٌ من الصحيح، لكن هذا لا يكفي، لا بُدَّ أن يكون موازنه ونظيره داخلاً معه تحت قاعدة صَرفيَّة. لأنَّ موازنها المذكور ليس نظيرها إن لم يَجتمعا في مصدريةٍ، هكذا قال الصَّبان: "إذ لم يَجتمعا في مصدريَّةٍ، ولا جمعٍ، ولا آليةٍ، ولا نحو ذلك" لم يجمعهما قاعدة صَرفيَّة .. مصدريَّة، ولا قاعدة جمع سواءٌ كان بألفٍ وتاء إلى آخره، ولا آلية: اسم آلة .. اسم زمان، ونحو ذلك، كما اجتمعا: الجوى والأسف ونحوها.
إذاً: المقصود هنا: أن يدخلا تحت قاعدة صرفيَّة عامة، ولذلك هذا نُؤَكِّد به على أنَّ قولهم: (النَّظِيرِ) هناك لا يلتبس عليك، ليس المراد (النَّظِيرِ): الحكم به، (النَّظِيرِ) يكشف فقط، نحكم على هذا بأنَّه مقصور أو بأنه ممدود قياساً إذا وُجِد له نظير فَيؤَكِّد فقط، وإلا كُلٌّ منهما قد دخل تحت قاعدة، ومن الممدود السماعي: (الفتاء) وحداثة السن، و (السناء) الشرف، و (الثراء) إلى آخره.
وَقَصْرُ ذِي الْمَدِّ اضْطِرَارَاً مُجْمَعُ ... عَلَيْهِ وَالْعَكْسُ بِخُلْفٍ يَقَعُ
وَقَصْرُ ذِي الْمَدِّ اضْطِرَارَاً مُجْمَعُ ... عَلَيْهِ. . . . . . . . . . . . .
يعني: يَجوز قصر الممدود في الشِّعْر خاصَّةً، ولذلك قال: (اضْطِرَارَاً) هذا مفعول لأجله، (مُجْمَعُ عَلَيْهِ) لأنَّه رجوعٌ إلى الأصل، قالوا الأصل: هو القصر، بدليل: أنَّ الممدود لا تكون ألفه إلا زائدة، وألف المقصور قد تكون أصليَّة، الممدود: صحراء، الألف هذه زائدة، وأمَّا المقصور فقد تكون الألف فيه أصليَّة، إذاً: دلَّ على أنَّه هو الأصل.
إذاً: (مُجْمَعُ عَلَيْهِ) لأنَّه رجوعٌ إلى الأصل إذ الأصل: القصر بدليل: أنَّ الممدود لا تكون ألفه إلا زائدة، وألف المقصور قد تكون أصليَّةً، والزيادة خِلاف الأصل.
(وَالْعَكْسُ) وهو مدُّ المقصور، (يَقَعُ بِخُلْفٍ) فيه خلاف، جَوَّزه الكوفيون ومَنَعه البصريون.
لا خلاف بين البصريين والكوفيين في جواز قصر الممدود للضرورة، واخْتُلِف في جواز مدٍّ المقصور، فذهب البصريون إلى المنع، وذهب الكوفيون إلى الجواز، وهذان قولان: المنع مُطلقاً، والجواز مطلقاً، وَثَمَّ قولٌ ثالث: بالتفصيل بين ما يَخرج إلى عدم النظير فيمتنع، وما لا فيجوز، إذا خرج إلى عدم النظير امتنع، وإلا فهو جائز.
استدل الكوفيون بقول الشاعر:
يَا لَكَ مِنْ تَمْرٍ وَمِنْ شِيْشَاءِ ... يَنْشَبُ فِي المَسْعَلِ وَاللَّهَاءِ
(اللَّهَاءِ) مدَّ المقصور وهذا للضرورة.
فَلاَ فَقْرٌ يَدُوْمُ وَلاَ غِنَاءُ ..
مدَّ هنا المقصور، ومنع البصريون وقدَّروا في البيت مصدراً لـ: (غانيتُ) لا مصدراً لـ: (غنيتُ)، قال ابن هشام في (التوضيح): "وهو تَعَسُّفٌ".