مَصْدَرِ الْفِعْلِ الَّّذِيْ قَدْ بُدِئَا، سبق معنا القاعدة: أنَّ كُلَّ ما بُدِئ بِهمز وصلٍ تكسر الثالث وتزيد مدةً قبل الأخير: انطلق انطلاقاً، إذاً: قبل الطَّرَف .. قبل القاف استحقَّ مدةً، هذا صحيح، مثله: ارْعَوى ارْعِواءً، إذًا: الألف هذه جاءت من أين؟ للقاعدة الصَّرفيَّة، إذاً: ليست محفوظة بزيادة العرب هكذا، وإنَّما زِيدت هذه الألف لموافقة القاعدة، فـ: (انطلاقاً) و (استخراجاً)، و (ارعواءً) و (ارتئائاً)، دخلا تحت قاعدة واحدة، فما دام أنَّ هذه الألف إنَّما زِيدت لأجل القاعدة الصَّرفيَّة حكمنا عليه بكونه ممدوداً قياساً لا سماعاً.
إن لم يكن لقاعدة كما سيأتي من أمثلة حينئذٍ نقول: هذا ليس بقياسي، وانظر إلى أنَّ الفصل هنا لا تُعَمِّمُه هناك في الكلام على الإعراب، هناك الكلام شيء وهنا شيءٌ آخر.
إذاً:
كَمَصْدَرِ الْفِعْلِ الَّّذِيْ قَدْ بُدِئَا ... بِهَمْزِ وَصْلٍ كَارْعَوَى وَكَارْتَأَى
(ارْتَأَى .. ارتأئاً) هذا مصدر (ارعوى) و (ارتأى) ارْعِوائاً وارتئاءً، لأنَّ نظيرهما من الصحيح يستحقُّ أن يكون ما قبل آخره ألفاً: احْمَرَّ احمراراً .. اقْتَدَرَ اقْتِدَاراً .. استخرج استخراجاً .. انطلق انطلاقاً، هذا الحكم لو نظرت فيه كل هذه الأمثلة صحيحة الآخر، هل الحكم خاصٌ بها؟ لا، يدخل تحت القاعدة بكسر الثالث وزيادة مدةٍ قبل الأخير الصحيح وغير الصحيح، فإذا عَمَّمْت الحكم على الصحيح وغيره، وهو المعتل حكمت على المعتل بأنَّه ممدود قياساً، وله نظير، النظير هذا مُؤَكِّدٌ على أنَّه من باب القياس، لأنَّه داخلٌ تحت قاعدة.
هنا قال الشَّارح:
كَمَصْدَرِ الْفِعْلِ الَّّذِيْ قَدْ بُدِئَا ... بِهَمْزِ وَصْلٍ كَارْعَوَى وَكَارْتَأَى
لَمَّا فرغ من المقصور شَرَع في الممدود، وهو: الاسم الذي في آخره همزةٌ تلي ألفاً زائدة، الألف الزائدة هذه جاءت من مصدر في المثال الذي ذكرناه .. جاءت لقاعدة، لم تأتِ هكذا وإنَّما جاءت لقاعدة، نَحو: حمراء وكساء ورداء، فخرج بالاسم الفعل نَحو: يشاء، قلنا: الفعل لا يُسمَّى ممدوداً، وإن كان ممدوداً في اللغة، القُرَّاء يقولون بالمدِّ: (شَاء) و (جاء).
وبقوله: (تلي ألفا زائدة) ما كان في آخره همزةٌ تلي ألفاً غير زائدة، كـ: (ماء) (ماء) هذه الهمزة منقلبة عن هاء: (موهٌ) هذا الأصل فيه، و (آء) جمع (آءةٍ) وهو شجر، والممدود أيضاً كالمقصور قياسي وسماعي:
فالقياسي: كل مُعتلٍّ له نظيرٌ من الصحيح الآخر، مُلْتَزَمٌ زيادة ألف قبل آخره، وهذا لا يكون إلا لقاعدة، لا نلتزم زيادة ألف أو فتحة أو حركة إلا لقاعدة، فإذا كان كذلك حكمنا عليه بكونه مَمدوداً قياساً، وإن لم يكن كذلك فهو سماعي.
وذلك كمصدر ما أوله همزة وصلٍ: ارْعَوى ارْعِواءً، وارتأى ارتئاءً، واستقصى استقصاءً، هذه كلها الألف قبل الهمزة: ارْعِواء، الألف هذه زيدت للمصدر .. ألف المصدر، وارتئاء، ألف المصدر، واستقصاء، ألف المصدر، فإن نظيرها من الصحيح انطلق انطلاقاً، واقتدر اقتداراً، واستخرج استخراجاً.