إذاً: ما من مُذكَّر أو مُؤنَّث إلا ويصدق عليه شيءٌ، و (شيءٌ) مُذكَّر في لغاتهم، ومن احتيج إلى علامة تُميِّز المؤنَّث من المُذكَّر، لأنَّ الأشياء الأُوَلْ تكون مفردةً لا تركيب فيها، الأشياء الأُوَل السابقة مفرد مثلاً والمُذكَّر والنَّكرة هذا لا يحتاج إلى معرفة .. لا يحتاج إلى شيءٍ يُعرِّفُه .. إلى علامة.

لأنَّ الأشياء الأُوَل تكون مفردةً لا تركيب فيها، والثَّوانِي، يعني: الفروع، تحتاج إلى ما يُميِّزُها من الأُوَل، ويَدلُّ على مَثْنَوِيَّتها، بدليل احتياج التَّعريف إلى علامة .. التعريف لا بد له من علامة، لأنَّه فرع التنكير، واحتياج النفي كذلك إلى علامة، لأنَّه فرعٌ عن الإيجاب.

ولذلك قلنا: الأصل في الجملة أنَّها موجبة، قلنا: الجملة تكون مَنفيَّة وتكون موجبة، أيهما أصل؟ الإيجاب، لماذا؟ لأننا نقول: متى نَحكم عليها بكونها مَنفيَّة؟ إذا سبقها (ليس) .. (ما) إلى آخره، فدلَّ على أنَّ ما يحتاج إلى علامة فرعٌ عَمَّا لا يحتاج إلى علامة.

إذاً: الأصل في الألفاظ .. في الأسماء التذكير، بدليل: أنَّنا لا نَحكم على اللفظ بأنَّه مؤنَّث إلا بوجود علامة، ولذلك قال النَّاظِم:

عَلاَمَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ أَوْ أَلِفْ ... وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ

وَيُعْرَفُ التَّقْدِيرُ بِالضَّمِيرِ ... وَنَحْوِهِ كَالرَّدِّ فِي التَّصْغِيرِ

(عَلاَمَةُ التَّأْنِيثِ) (عَلاَمَةُ) مبتدأ وهو مضاف، و (التَّأْنِيثِ) مضافٌ إليه، (تَاءٌ) هذا خبر، (أَوْ) عاطفة فقط؟ (أَوْ) للتنويع هنا، لأنَّه ذكر علامتين في الجملة:

- (تَاءٌ) تاء التأنيث.

- والألف، والألف هذه يدخل تحتها نوعان: الألف المقصورة، والألف الممدودة، المقصورة مثل: (حبلى وسلمى) والممدودة مثل: (صحراء وحمراء). وهي ألفٌ مقصورة وممدودة، ومذهب البصريين: أنَّ الممدودة فرعٌ عن المقصورة.

إذاً: (حبلى) هي الأصل، و (صحراء) هذه فرع، حِينئذٍ صارت واحدة، ومذهب البصريين: أنَّ الممدودة فرعٌ عن المقصورة، أبدلت منها همزة، لأنَّهم لَمَّا أرادوا أن يؤنثوا بها ما فيه ألفٌ لم يمكن اجتماعهما لتماثلهما والتقائهما ساكنين، فأُبْدِلت المتطرِّفة للدَّلالة على التأنيث همزة لتقاربهما، وخُصَّت المتطرِّفة لأنَّهما في مَحلِّ التَّغيُّر.

يعني: (صحراء) الهمزة الثانية هذه هي ألف التأنيث .. ألف حبلى، صحراء، الراء ثُم الألف .. الألف هذه من الكلمة، ثُم أريد تأنيثها بألفٍ مقصورة، وهي ألف حبلى، فجئت بالألف فاجتمع عندنا ألفان، ولا يمكن النُّطق بهما، ولا يمكن حذفهما، حِينئذٍ قلبت الثانية ألفاً فصار: صحراء، هذا سيأتي في التثنية والجمع هناك.

إذاً: ألف همزة (صحراء) ليست أصلية، وهي للتأنيث وأصلها مقصورة قلبت همزةً لتطرُّفها وعدم اجتماعها مع الألف السابقة، إذاً: فأبدلت المتطرفة، يعني: الثانية للدَّلالة على التأنيث همزةً لتقاربهما، يعني: الألف والهمزة، وخُصَّت المتطرِّفة الثانية لا الأولى، لأنَّها في مَحلَّ التَّغيُّر، والتغيُّر إنما يلحق الأواخر لا الأوائل، ويدلُّ لذلك سقوطها في الجمع كصحارى، ولو لم تبدل لم تُحذف، حِينئذٍ نقول: صحراء، الهمزة هذه بدلٌ عن الألف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015