إذاً قوله: (وَالْعَلَمَ احْكِيَنَّهُ) أخذنا فوائد، (احْكِيَنَّهُ): أنًّ الحركة حركة حكاية، وأنَّها مُقدَّرة، (الْعَلَمَ) أطلق فدخل فيه الاسم والكُنْيَة واللقب، وأخرج به سائر المعارف، لأنَّه قَدَّمه هذا الأصل فيه، دون بقية المعرف، والتخصيص هنا بـ: (الْعَلَمَ) لأنَّ الأعلام لَمَّا كانت كثيرة الاستعمال جاز فيها ما لم يَجز في غيرها، هذا كالاستثناء وإلا الأصل أنَّ (مَنْ) لا يُحكى بها إلا المنكور.
(وَالْعَلَمَ احْكِيَنَّهُ مِنْ بَعْدِ مَنْ) ظاهره: أنَّ حكاية العَلَم من بعد (مَنْ) لا تَتقيَّد بالوقف، لأنَّه قال هناك: (وَوَقْفاً احْكِ) وهنا أعاد الفعل قال: (الْعَلَمَ احْكِيَنَّهُ) ولم يُقيِّده بالوقف ولا بالوصل، فدلَّ على العموم، أنَّه لا يُقيَّد بالوقف. ظاهره: أنَّ حكاية العَلَم بعد (مَنْ) لا تتقيَّد بالوقف وهو قضية إطلاقهم.
وخرج بقوله: (مِنْ بَعْدِ مَنْ) من بعد (أَيّ) فلا يُحكى العَلَم من بعد (أَيّ) فلا يُقال: جاء زيدٌ، أيٌّ؟ لا يصح، لأنَّ (زيد) عَلَم، و (أَيٌّ) لا يُحكى بها الأعلام بل النكرات.
وخرج (أَيٌّ) فلا يُحكى العَلَم بعدها كسائر المعارف.
(إِنْ عَرِيَتْ مِنْ عَاطِفٍ بِهَا) .. (إِنْ عَرِيَتْ مِنْ) يعني: لم يسبقها .. تَجرَّدت .. عَرِيَت، (مِنْ عَاطِفٍ بِهَا اقْتَرَنْ) يعني: مقترن، إِنْ عَرِيَتْ مِنْ عَاطِفٍ اقْتَرَنْ بِها، فقوله: (مِنْ عَاطِفٍ) مُتعلِّق بقوله: (اقْتَرَنْ)، وقوله: (بِهَا) مُتعلِّق كذلك بقوله: (اقْتَرَنْ)، وجملة (اقْتَرَنْ) هذه ما إعرابها؟ مِنْ عَاطِفٍ مُقتَرنٍ بِهَا .. لا، (مِنْ عَاطِفٍ) ليس مُتعلِّق بـ: (اقْتَرَنْ)، مُتعلِّق بـ: (عَرِيَتْ)، (مِنْ عَاطِفٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (عَرِيَ) عريت من أي شيء؟ (مِنْ عَاطِفٍ) وهو مُتعلِّق بها، اقْتَرَنْ بِها .. مِنْ عَاطِفٍ مُقْتَرِنٍ، فالجملة صفة لـ: (عَاطِف)، و (بِهَا) مُتعلِّقٌ بها.
إذاً: إذا سبقها عاطفٌ فلا يحكى بِها العَلَم .. بَطَلَت .. بَطَل عملها، يعني: في الحكاية المعنوية، وإذا خلت عن العاطف حِينئذٍ جاز الحكاية بها.
(إِنْ عَرِيَتْ مِنْ عَاطِفٍ) أي: صورةً، لأنَّه للاستئناف، وأطلق العاطف وقيل: يَختصُّ بالواو والفاء، وقيل: الواو خاصَّةً.
قال الشَّارح هنا: "يجوز أن يحكى العَلَم بـ: (مَنْ) إن لم يَتقدَّم عليها عاطف، فتقول لمن قال: جاءني زيد، مَنْ زيدٌ؟ ولمن قال: رأيت زيداً، من زيداً؟ ولمن قال: مررت بزيدٍ، من زيدٍ؟ بالخفض، فتحكي في العَلَم المذكور بعد (مَنْ) ما للعَلَم المذكر في الكلام السابق من الإعراب، وهذه لغة الحجاز" أهل الحجاز: أنَّهم يحكون المحكي بنفسه بعد (مَنْ) سواء كان مرفوعاً، أو منصوباً، أو مخفوضاً.
وأمَّا بنو تميم فلا يحكون، بل يجيئون بالعَلَم المسئول عنه بعد (مَنْ) مرفوعاً مطلقاً: جاء زيد، مَنْ زيدٌ؟ رأيت زيداً، مَنْ زيدٌ؟ مررت بزيدٍ، مَنْ زيدٌ؟ فعندهم مُطلقاً الرَّفع .. رفعاً ونصباً وخفضاً، لأنَّه مبتدأ خبره (مَنْ)، إذاً: يلزم أن يكون مرفوعاً، فإذا كان منصوباً المحكي وجب رفع (زيد) في الحكاية.