(وَقُلْ) في المُثنَّى المُذكَّر (مَنَانِ) لحكاية المرفوع، (وَمَنَيْنِ) الأصل فيها بإسكان النون لكن للنَّظم هنا لم يتمكن من تسكين النون، ولذلك عوَّضَه بالتَّنْصيص عليه وقال: (وَسَكِّنْ تَعْدِلْ) يعني: سكِّن النون الأخيرة التي بعد الألف وبعد الياء، لا تُحرَّك وإنما تقول: (مَنَانْ) بالوقف، و (وَمَنَيْنْ) بالوقف، لماذا .. لماذا نُسكِّن؟ لأنَّ (مَنْ) لا تستعمل إلا وقفاً، والعرب لا تقف إلا على ساكن، حِينئذٍ لا يُتصوَّر في (مَنْ) أن تكون مَحكيَّة إلا في الوقف، وأمَّا الوصل فلا.
حِينئذٍ (قُلْ مَنَانْ) (مَنَانِ) بكسر النون، نقول: هذا في الوصل لا في الوقف، (وَمَنَيْنِ) كذلك بكسر النون هذا في الوصل لا في الوقف، و (مَنْ) هذه لا تُحكى في الوصل إنما تحكى في الوقف، فلذلك قال: (وَسَكِّنْ تَعْدِلْ) (سَكِّنْ) يعني: سَكِّن النون الأخيرة من (مَنَانِ وَمَنَيْنِ) لأنَّه لا يكون إلا وقفاً كذلك.
و (مَنَانِ وَمَنَيْنِ بَعْدَ) قول القائل: لِي إِلْفَانِ لابْنَيْنِ، لو قال لك: احْكِ إلفان، (لي) خبر مُقدَّم، و (إلفان) تثنية (إلف) مبتدأ مؤخَّر (لابنين) مُتعلِّق بقوله، لو أرَدْتَ أن تحكي (إلفان): قال لي إلفان بابنين، تقول: مَنَان؟ بالرَّفع، احك ابنين، تقول: مَنيْن؟ بالياء، لأنَّ (ابنين) هذا مَحكيٌ وهو مجرورٌ بالياء، فكذلك الحكاية يكون بالياء.
(وَسَكِّنْ) آخرهما، (مَنَانِ وَمَنَيْنِ) .. (تَعْدِلْ) أي: تُقم العد، لأنَّ هذا حكم العرب، وإنما حرَّكه هنا النَّاظم من أجل الضرورة فحسب، يعني: النون من (مَنَانِ وَمَنَيْنِ) والعِلَّة ما ذكرناه أنَّه لا يكون إلا وقفاً.
إذاً: في حالة التَّثنية والإفراد نَصَّ عليهما بِما ذُكِر.
(وَقُلْ لِمَنْ قَالَ أَتَتْ بِنْتٌ مَنَهْ) هذا في ماذا؟ (وَقُلْ) في المفرد المؤنَّث .. عرفنا مَنُو، ومَنَا، ومَنِي، في المفرد المذكَّر.
قالت امرأةٌ، تقول: مَنَه؟ أصلها: مَنَةٌ، قالت امرأةٌ .. مَنَةٌ؟ ألحقت (مَنْ) تاء التأنيث، ولَمَّا كانت في الوقف خاصَّةً حِينئذٍ قلبتها هاءً، لأنَّه مذهب البصريين أنَّ التاء المربوطة تُقلَب هاءً في الوقف، فتقول: مَنَه، بهاء التأنيث.
(وَقُلْ) في المفرد المؤنَّث لمن قال: أَتَتْ بِنْتٌ، قل له: مَنَه؟ بفتح النون وقلب التاء هاءً، وقد يُقَال: مَنَتْ، بالتاء الساكنة، بإسكان النون وسلامة التاء، يعني: دون قلبها، وكذا يُقال في النَّصب والجر، ولم يُمكن إثبات حرف المَدِّ في (مَنَه) لماذا لا نقول: (مَنَات) نثبتها؟ قالوا: لا يُمكن إثبات حرف المد في (مَنَه) للدَّلالة على الإعراب، لماذا؟ لأنَّ هاء التأنيث لا تكون في الوقف إلا ساكنة، والحكاية هنا لا تُتصوَّر إلا في الوقف، إذاً: لا يُمكن العدول عن السكون فهو لازم، فاكتفوا بحكاية التأنيث وتركوا حكاية الإعراب.
إذاً: لو قال أتّتْ بِنتٌ، تقول: مَنَه؟ رأيت بِنتاً، تقول: مَنَه؟ مررت بِبِنْتٍ، تقول: مَنَه؟ هنا آثروا التأنيث على الحركة في الحكاية، لماذا؟ لأنَّك لو حَكَيْتَ فقلت: مَنَاه؟ ثُم وقفت عليه بالساكن هنا اجتمع ساكنان، وإن كان مغتفراً إلا أنَّه يُمدُّ زائداً على المد الطبيعي.