إذاً: (وَيَنْتَصِبْ تَمْيِيْزُ ذَيْنِ) (أَوْ) هذا للتفصيل أو للإباحة، جَوَّز المكودي أن يكون للإباحة على تضمين (يَنْتَصِبْ) انصب، يعني: الإباحة لا تكون إلا بعد طلب، (يَنْتَصِبْ) يعني: انصب (أَوْ) صارت للإباحة، (أَو صِلْ بِهِ مِنْ تُصِبْ) (تُصِبْ) جواب الطلب: ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ)) [الأنعام:151] صل تُصِب، (صِلْ مِنْ) ما إعراب (مِنْ)؟ مفعول به.

قال هنا: " تُستعمل (كَمْ) للتكثير، فَتُمَيَّزُ بِجمعٍ مجرورٍ كعشرة أو بمفرد مجرورٍ كمائة، نحو: كم غلمانٍ ملكت -هذا استفهام- وكم درهمٍ أنفقت" كم غلامانٍ ملكت؟ كثير، إذا أراد أن يُخبِر عن الغير: وكم درهمٍ أنفقت؟ أنت يعني، كثير، والمعنى: كثيراً من الغلمان ملكت، وكثيراً من الدراهم أنفقت، ولو ضُمَّت أجود، كم غلامانٍ مَلَكْتُ؟ كثير، يُخبر عن عددٍ وعن نفسه لا يُخبر عن غيره، على كُلٍّ جائز.

ومثل (كَمْ) في الدَّلالة على التكثير (كَذَا وكَأَيِّنْ)، يعني: هذان اللفظان، ومُميِّزهما منصوبٌ أو مجرورٌ بـ (مِنْ) وهو الأكثر، لكن إجراء النَّظم على ظاهره هذا فيه نظر، بل الصواب أنَّ قولهم: تصله بـ: (مِنْ) هذا خاصٌّ بـ (كَأَيِّنْ)، قال تعالى: ((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ)) [آل عمران:146] وملكت كذا درهماً، كيف يُجر هذا؟ كذا من درهمٍ، هذا ليس بفصيح، بل الظَّاهر أنَّ: (كَأَيِّنْ) هو الذي يُجَرُّ تمييزه بـ (مِنْ) وأمَّا (كَذَا) لا.

وتستعمل (كَذَا) مفردةً كهذا المثال، ومركَّبة نَحو: ملكت كذا كذا درهماً، ومعطوفاً عليها مثلها: ملكت كذا وكذا درهماً.

و (كَمْ) لها صدر الكلام استفهاميةً كانت أو خبرية فلا تقل: ضربت كم رجلاً، ولا ملكت كم غلمانٍ، وكذلك (كَأَيِّنْ) بِخلاف (كَذَا) نحو: ملكت كذا درهماً.

الحاصل: أنَّ (كَمْ) يُلحق بها (كَأَيِّنْ وَكَذَا)، ونقول: (كَأَيِّنْ وَكَذَا) بينهما اتفاق وافتراق مع (كَمْ) فـ: (كَأَيِّنْ) توافق (كَمْ) في أمورٍ خمسة، وتخالفها في أمورٍ خمسة:

- توافقها في الإبهام، يعني: كلٌّ منهما مبهم في الجنس والمقدار، ولذلك عوملت معاملة (كَمْ) مبهمة في الجنس والمقدار، هذا الأول.

- والثاني: الافتقار إلى التمييز، كُلٌّ منهما مفتقرٌ إلى التمييز.

- والبناء، قلنا: البناء لمحمول على (كَمْ)، و (كَمْ) إنَّما (كَمْ) الخبرية إنَّما بُنيت لأي عِلَّة؟ ليس هنا الشَّبَه الوضعي (كَأَيِّنْ) هذه ثلاثة أحرف، قلنا المعنى، لأنَّها تدلُّ على التكثير، ولذلك مراعاة المعنى مُقدَّم هنا، لأنَّ العبرة بالمعاني وأمَّا اللفظ كأنَّه (كَمْ) وضع على حرفين، لا إشكال فيه، يُراعى لكن ليس هو الأصل، لا تُفرَّع عليه الأحكام.

إذاً: والبناء هذا الثالث .. في الإبِهام والافتقار إلى التمييز، والبناء للشَّبه المعنوي بـ (رُبَّ) التي للتكثير.

- ولزوم التصدير (كَمْ) و (كَأَيِّنْ) كُلٌّ منهما لازمٌ للتصدير، يعني: لا يعمل فيهما ما قبلهما.

- وأنَّ كُلَّاً منهما على نوعين - هذا المشهور -: استفهامية وخبرية بمعنى: كثير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015