عرفنا (كَمْ) أنها استفهامية وخبرية، هنا قال: (كَأَيِّنْ وَكَذَا) مثل (كَمْ) أَيُّ الكمين: الاستفهامية أم الخبرية؟ الجمهور على أنَّ (كَأَيِّنْ) لا تأتي إلا خبريةً ولا تأتي استفهاميَّة، وجوَّز بعضهم أنَّها استفهامية، لكن ينبغي حمل كلام النَّاظم، هنا ابن مالك: يرى أنَّ (كَأَيِّنْ) تأتي استفهامية وخبرية، وعليه قوله: (كَأَيِّنْ كَكَمْ) مُطلقاً دون قيد، على كلامه هو .. يُشرح كلامه برأيه هو .. مذهبه هو لا برأي غيره.
ولذلك تخصيص الأشْمُوني وغيره بأن (كَمْ) هنا خبريَّة، نقول: هذا فيه نظر! لأنَّ (كَأَيِّنْ) عند النَّاظم تأتي استفهاميَّة، وقِلَّة من أثبت أنَّها استفهامية، لكن ما دام أنَّه ذهب إلى هذا المذهب نَحمل كلامه عليه.
وأمَّا على قول الجمهور، تقول: (كَأَيِّنْ) هذا مبتدأ، (كَكَمْ) هذا خبر، يعني: (كَمْ) الخبرية في الدَّلالة على تكثير عددٍ مبهم الجنس والمقدار، إذاً: (كَأَيِّنْ) مثل (كَمْ) الخبرية، تُستعمل في الدَّلالة على عددٍ مُبهم الجنس والمقدار، وإذا قلنا: استفهامية كذلك يُستفهم بها عن عددٍ مُبهم الجنس والمقدار.
(كَكَمْ كَأَيِّنْ وَكَذَا) هذا عطف على (كَأَيِّنْ)، (وَيَنْتَصِبْ تَمْيِيْزُ ذَيْنِ)، (وَيَنْتَصِبْ) هذا الجملة مستأنفة، وكان حقُّهما أن يضافا إليه، يعني: بدلاً من أنْ يُقال: (وَيَنْتَصِبْ تَمْيِيْزُ ذَيْنِ) الأصل: أن يُضافا إليه. وكان حقُّهما أنْ يضافا إليه (كَكَمْ) تضاف لكن منع من ذلك أنَّ في آخر (كَأَيِّنْ) تنويناً يستحق الثبوت لأجل الحكاية، وفي آخر (ذَا) اسم إشارة وهما مانعان من الإضافة، لأنَّه قال: (كَمْ) وهذا يحتمل أنَّه (كَمْ) الخبرية.
حينئذٍ تمييز (كَأَيِّنْ وَكَذَا) الأصل: أن يكون محمولاً على (كَمْ) الخبرية، و (كَمْ) الخبرية سبق أنَّه كتمييز عشرة ومائة وهما مضافان، إذاً: لماذا لم يضاف (كَأَيِّنْ)؟ نقول: (كَأَيِّنْ) في آخره نون أشبهت التنوين، وهذا يمنع الإضافة، (كَذَا) (ذَا) اسم إشارة في أصله، واسم الإشارة لا يُضاف إلى ما بعده، إذاً: وُجِد مانع من الإضافة.
كَكَمْ كَأَيِّنْ وَكَذَا وَيَنْتَصِبْ ..
هذه جملة مستأنفة، (تَمْيِيْزُ) هذا فاعل، (ذَيْنِ) اسم إشارة إلى (كَأَيِّنْ وَكَذَا)، إذاً: تمييزهما يكون منصوباً، ولذلك جاء في القرآن كذلك، (أَوْ بِهِ صِلْ مِنْ تُصِبْ) أو صل به مِنْ تُصِب، يعني: تَمييز (كَأَيِّنْ) فقط، وإن كان ظاهر النَّظم أنَّه يعود إلى المذكور، إنَّما المراد به: تَمييز (كَأَيِّنْ) فقط، أو التقدير بتمييز (ذَيْنِ) بالنظر للمجموع فيصدق على واحد، فالضمير هنا قوله: بِهِ الصواب: أنَّه يعود إلى (كَأَيِّنْ)، حينئذٍ ينتصب أو يُجَرُّ بـ (مِنْ) ظاهرةً ((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ)) [آل عمران:146] (نَبِيٍّ) هذا تمييز جُرَّ بـ (مِنْ) ظاهرةً، وهذا الحكم خاصٌّ بـ (كَأَيِّنْ) خلافاً لِمَا قد يتبادر إليه ظاهر النَّظم.