(وَالْمُمَيِّزَ) إذًا: لا بُدَّ لها من مُميِّز، لأنَّها من قبيل المبهمات، فإذا كانت مبهمة حِينئذٍ تحتاج إلى ما يكشف عن ذاتها ليس عن هيئتها، وإنَّما عن ذاتها وحقيقتها وماهيتها، ما المراد بها .. ما هو هذا المعدود؟ عندي ثلاثةٌ .. ثلاثة ماذا؟ فيحتمل، فإذا جئت بالمُميِّز كشفت حقيقة هذه الثلاثة، عندي شيءٌ معدودٌ بالثلاثة، عندي عشرون .. عندي شيءٌ معدود بالعشرين .. عدده عشرون، ما هو هذا الشيء؟ كتابًا، إذًا: جاء التمييز هنا كاشفًا وموضحًا ومبينًا ومُفسِّرًا لحقيقة هذا الشيء المعدود بالعشرين أو الثلاثة إلى آخره، إذًا: هذه وظيفة المُميِّز هنا.

(وَالْمُمَيِّزَ) ما حكمه هنا من الثلاثة إلى العشرة؟ قال: (اجْرُرِ) اجرر المُميِّز، يعني: يجب جر تمييز هذه الألفاظ من الثلاثة إلى عشرة، بحرف جر أو بالمضاف بالإضافة؟ (اجْرُرِ) ماذا تقول أنت؟ عندي ثلاثة رجالٍ، (ثلاثةُ) مبتدأ وهو مضاف، و (رجال) مضاف إليه، و (عندي) خبر.

إذًا: صار التمييز هنا مضافًا إليه، وإذا كان مضافًا حِينئذٍ المضاف يكون مجرورًا بالمضاف، إذًا: نفس الذي كُشِف بالمُميِّز هو الذي عَمِل الجَرَّ في التمييز.

ويجوز الجرُّ عند بعضهم بـ: (من)، وهذا جعلوه غالبًا في اسم الجنس واسم الجمع، وهو أن يقال: عندي ثلاثةٌ من الرجال، وعندي ثلاثةٌ من النساء، وهذا جائزٌ عند بعضهم وهو مُطَّرِد، ولذلك قال ابن هشام: "مُميِّز الثلاثة والعشرة وما بينهما إن كان اسم جِنْسٍ كـ: شجرٍ وتَمرٍ، أو اسم جمعٍ كـ: قومٍ ورهطٍ، خُفِض بـ: (من) ".

(اجْرُرِ) إذًا بـ: (من) ليس بالإضافة، إذا كان اسم جِنْس أو اسم جمعٍ، خُفِض بـ: (من) تقول: عندي ثلاثةٌ من التمر، وعشرةٌ من القوم، هذا أفصح هنا، ومنه: ((فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)) [البقرة:260].

وقد يُخفض - (وقد) للتقليل– يُخفض بإضافة العدد نفسه: ((وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ)) [النمل:48] (رَهْطٍ) هذا اسم جمع، دلَّ على الجمع وليس له واحدٌ من لفظه، وفي الحديث: {لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ}، وإن كان جمعًا خفض بإضافة العدد إليه، نَحو: ثلاثةُ رجالٍ.

إذًا: اجرر المُميِّز، متى؟ إذا كان جمعًا، وأمَّا إذا كان اسم جِنْس أو اسم جمعٍ يجوز فيه وجهان:

- خفضه بالإضافة: ((تِسْعَةُ رَهْطٍ)) [النمل:48] وجاء في فصيح الكلام.

- وإن كان الأكثر أن يكون مجرورًا بـ: (من) عندي تسعة من القوم .. تسعة من الرَّهط، عندي تسعة من البقر .. من الغنم، هكذا تقول، تَجرَّه بـ: (من) تسعة غنمٍ يجوز لكنَّه على قِلَّة، وقد جاء في القرآن.

إذًا: (وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ جَمْعَاً) أي: مُميِّز الثلاثة وأخواتها لا يكون إلا مجرورًا بإضافة العدد إليه، لكن يُستثنى منه ما ذكرناه: اسم الجمع واسم الجنس.

(جَمْعَاً) هذا ما إعرابه (اجْرُرِ جَمْعَاً)؟ حال من المفعول به، اجرُر المُميِّز حال كونه جمعًا، والحال وصفٌ لصاحبها .. قيدٌ لعاملها، إذًا: لا يكون المُميِّز هنا إلا جمعًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015