إذاً: أمَّا زيدٌ فقائمٌ، الفاء دخلت على الخبر، كيف دخلت على الخبر، والأصل أنَّها تدخل على المبتدأ؟ نقول: ثَمَّ تعليل، وهو أنَّ أصل هذا التركيب: أمَّا زيدٌ فقائمٌ .. فمنطلقٌ .. فذاهبٌ، أصله: مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ قائمٌ، دخلت الفاء على المبتدأ، فحذف اسم الشَّرط، وفعل الشَّرط ومُتعلَّقه، ثُم جيء بـ: (أمَّا) نائبةً عَمَّا حُذِف فصار: أمَّا فزيدٌ قائمٌ، هذا التركيب، فزُحْلِقَت الفاء لإصلاح اللفظ، إذ يُستكره تِلْو الفاء الأداة، يعني: يستكره ويستبشع لفظاً أنْ تكون الفاء تاليةً لـ: (أمَّا) فزُحْلِقَت .. زُحْلِقَت إلى الخبر، كما زُحْلِقَت اللام هناك في باب (إنَّ).
قلنا: زُحْلِقَت إلى الخبر لأنَّه يُستكره أنْ يُجمع حرفان دالان على التوكيد في مَحلٍّ واحدٍ: لَإنَّ زيدٌ قائمٌ، هذا فيه بشاعة، إذ لا يجتمع مؤكِّدان في مَحلٍّ واحدٍ، فقيل: إنَّ زيداً لقائمٌ، مثلها هنا الفاء.
إذ يُستكره تلو الفاء الأداة، فصار: أمَّا زيدٌ فقائمٌ، بتأخير الفاء من المبتدأ إلى الخبر، هذا المشهور: أنًّ الفاء تُزَحْلَق إلى الخبر، ويجوز تأخير المبتدأ: أمَّا قائمٌ فزيدٌ، تبقى كما هي الفاء، أمَّا فزيدٌ قائمٌ، قَدِّم الخبر فتقول: أمَّا قائمٌ فزيدٌ، إذاً: إمَّا أن يُؤخَّر المبتدأ الذي دخلت عليه الفاء وهذا قليل، وإمَّا أن تُزحلَق الفاء من المبتدأ إلى الخبر، فتقول: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ.
إذاً:
. . . . . . . . . . . . . . وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبَاً أُلِفَا
إذاً: حكم اتصال الفاء بتالي التالي واجب (وُجُوبَاً) أي: واجباً حال، أو على حذف مضاف، أي: ذا وجوبٍ (وُجُوباً) لا بُدَّ أن يؤوَّل لأنَّه مصدر، فإذا قلنا: أنَّه سماعي حِينئذٍ نجعله مفعول مطلق ذا، أو على حذف مضاف: ذا وجوبٍ.
قوله: (لِتِلْوِ تِلْوِهَا) أفاد أنَّه لا يَجوز أن يَتقدَّم الفاء أكثر من اسمٍ واحد، يعني: أمَّا زيدٌ فقائم مباشرة، لأنَّه قال: (لِتِلْوِ تِلْوِهَا) عَيَّن، أمَّا ثُم يأتي التَّالي، ثُم تالي التَّالي، تدخل الفاء على تالي التَّالي، إذاً: أفْهَمَ أنَّه لا يجوز أن يُفصل بين الفاء و (أمَّا) إلا باسمٍ واحدٍ، حِينئذٍ لو قال: أمَّا زيدٌ طعامَه فلا تأكل، لا يجوز لأنَّه فُصِل بين (أَمَّا) والفاء باسمين، ولو كان معمولاً للخبر لا يجوز، بل لا بُدَّ أن يكون التركيب هكذا، والحجة السَّمَاع، أمَّا زيدٌ طعامَه فلا تأكل، نقول: هذا لا يجوز لأنه لا يجوز أن يفصل بين (أمَّا) والفاء إلا باسمٍ واحدٍ، فإن كان أكثر من واحد حِينئذٍ لا يجوز البتَّة.
أمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوباً أُلِفَا
إذاً أفاد قوله: (لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوباً أُلِفَا) أنَّه لا يجوز تَقدُّم الفاء أكثرُ من اسمٍ واحدٍ، ولا يفصل بين (أمَّا) والفاء بِجملة تامة، استُثني حالة واحدة سماعاً، وهي: إن كانت دعاءً .. إن كانت الجملة دعائيَّة بشرط: أن يَتقدَّم الجملة فاصلٌ، نحو: أمَّا اليومَ رحمك الله فالأمر كذلك، هذا مستثنى، أمَّا فالأمر كذلك، (فالأمر كذلك) جواب الشَّرط، و (اليوم) هذا ظرف، رحمك الله.