قيل مثله في فعل الشَّرط وجواب الشَّرط، ما الذي جَزَم (يَتَّقِ)؟ (يَجْعَلْ)، ما الذي جزم (يَجْعَلْ)؟ (يَتَّقِ) كلٌ منهما جزم الآخر.

إذاً: الاتفاق المراد به الجماهير، أمَّا الشَّرط فنُقِل الاتفاق على أنَّ الأداة جازمةٌ له، وأمَّا الجزاء الذي هو (يَجْعَلْ) ففيه أقوال:

- قيل: هي الجازمة وهو ظاهر النَّظم، يعني: أداة الجزم هي التي جزمت جواب الشَّرط.

- وقيل: الجزم بفعل الشَّرط، يعني: (وَمَنْ يَتَّقِ) (يَتَّقِ) جُزِم بـ: (مَنْ) و (يَجْعَلْ) مَجزومٌ بـ: (يَتَّقِ) بفعل الشَّرط.

- وقيل: بالأداة والفعل معاً، كما قيل في الخبر أنَّه بالمبتدئ والابتداء معاً، هنا قيل: (مَنْ) و (يَتَّقِ) عاملان في (يَجْعَلْ) ونُسِب إلى سيبويه والخليل، وقيل: بالجوار، وهو مذهب الكوفيين، كلها ضعيفة، والصَّحيح الأول، لأن هذه الأدوات تَجزم فعلين، ومعنى أنَّها تَجزم فعلين: أنَّ الأول مَجزومٌ بها، والثاني مَجزومٌ بها، وهذا هو الصَّحيح.

(فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ شَرْطٌ قُدِّمَا) .. (شَرْطٌ) .. ما إعراب (شَرْطٌ قُدِّمَا)؟ (شَرْطٌ) مبتدأ، و (قُدِّمَا) خبر، (شَرْطٌ) مبتدأ، وساغ الابتداء به مع كونه نكرة لوقوعه في معرض التفصيل، (قُدِّمَا) هذا الجملة في مَحلِّ رفع خبر المبتدئ.

(يَتْلُوْ الْجَزَاءُ) يتلوه الجزاءُ، (يَتْلُوْ) فعل مضارع، و (الْجَزَاءُ) فاعل، والضمير مفعول به محذوف .. يتلوه الجزاء، والجملة هذه صفة لـ: (شَرْطٌ) شرطٌ قُدِّما متلوٌ بالجزاء .. صفة له، وشرط الجزاء الإفادة كخبر المبتدئ، يعني: ليس كل جزاءٍ يَصِح أن يقع جزاءً، لا، لا بُدَّ أن يكون مُفيداً، فشرطه الإفادة كخبر المبتدأ، فلا يَجوز: إنْ يقم زيدٌ يقم، لو قيل: أي شرط ائت به لصح هذا التعبير: إنْ يقم زيدٌ يقم، نقول: هذا ليس مفيداً.

(شَرْطٌ قُدِّمَا) فُهِم منه: أنَّ الشَّرط والجزاء جملتان، لأن الفعل يستلزم الفاعل، وفُهِم منه: أنَّ الشَّرط لا يكون إلا مُتقدِّما، فإذا ورد: أنت ظالمٌ إنْ فعلت، فليس (أنت ظالمٌ) جواباً مُقدَّماً، بل الجواب محذوف دَلَّ عليه ما تَقدَّم على أداة الشَّرط.

(وَجَوَابَاً وُسِمَا) .. (وُسِمَا) يعني: من الوسم .. العلامة، يعني: سُمِّي جواباً، يُسمَّى جزاءً ويُسمَّى جواباً، الثاني الذي هو: (يَجْعَلْ) ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ)) [الطلاق:2] (يَتَّقِ) هذا فعل الشَّرط، و (يَجْعَلْ) يُسمَّى جزاءً ويُسمَّى جواباً.

وُسِم جواباً، (جَوَابَاً) هذا حالٌ من الضمير في (وُسِمَا) أي: يُسمَّى الجزاء جواباً، (وُسِمَا) الضمير هنا يعود على الجزاء، والألف هذه للإطلاق، و (جَوَابَاً) هذا حالٌ من الضمير في (وُسِمَا)، وبعضهم أعربه: مفعول .. مفعول ثاني، لكن ليس بظاهر.

إذاً: قال الشَّارح هنا: "يعني: أنَّ هذه الأدوات المذكورة في قوله: (وَاجْزِمْ بِإِنْ إلى قوله: وأَنَّى) يقتضين جملتين" (جملتين) هذا فيه نظر، بل فعلين، لأنَّ الأول هو الذي يكون في مَحلَّ جَزْمٍ كما سيأتي في الإعراب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015