قوله: (شَرْطٌ قُدِّمَا يَتْلُوْهُ الْجَزَاءُ) (يَتْلُوْهُ) الضمير هنا محذوف وهو الرَّابط، أفهم أنَّه لا يَتقدَّم الجواب الذي هو الجزاء على الشَّرط، وإن تَقدَّم على الشَّرط شبيهٌ بالجواب فحِينئذٍ نَحكم عليه بأنَّه دليل الجواب وليس بجواب، يعني لو قال قائل: أنْتَ ظالمٌ إنْ فعلت كذا، أصل التركيب: إنْ فعلت كذا فأنت ظالمٌ، لَم يأت بـ: أنْتَ ظالمٌ، قال: أنت ظالمٌ إنْ فعلت كذا، هل الأول: أنت ظالم، يُعتبَر جواباً؟
لا يُعتبَر، لأن النَّاظِم يقول: (شَرْطٌ قُدِّمَا يَتْلُوْهُ الْجَزَاءُ) هذا الترتيب مقصود، الأول فعل الشَّرط والثاني الجواب، إذا لم يأت الجواب في مَحله وحصل مثله مُتقدِّماً على أداة الشَّرط حكمنا على المُتقدِّم بأنَّه ليس جواباً، لأن الجواب لا يكون مُتقدِّماً على فعل الشَّرط: أنت ظالمٌ إن فعلت، أين يقع جواب الشَّرط؟ يقع بعد (إنْ) وبعد فعل الشَّرط، هذا الأصل.
حِينئذٍ: أنت ظالمٌ إنْ فعلت كذا، نقول: إنْ فعلت، (فعلت) هذا فعل الشَّرط والجواب مَحذوفٌ دلَّ عليه الدليل السَّابق، فما تَقدَّم دليل الجواب وليس عين الجواب، ولذلك نَصَّ هنا النَّاظِم قال: (شَرْطٌ قُدِّمَا يَتْلُوْ الْجَزَاءُ) يعني: يتلوه الجزاء ويتبعه، فلو وجد في الكلام ما ظاهره أنَّه جواب الشَّرط وقد تَقدَّم على الأداة حكمنا عليه بكونه دليل الجواب وليس عين الجواب، والجواب محذوفٌ دلَّ عليه ذلك المتقدِّم.
وإنْ تَقدَّم على الشَّرط شبيه بالجواب فهو دليلٌ عليه وليس إياه، هذا مذهب جمهور البصريين، وذهب الكوفيون والمُبَرِّد إلى أنَّه الجواب نفسه والصَّحيح الأول، أنَّه دليل الجواب وليس بعين الجواب.
(فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ) .. (يَقْتَضِينَ) يعني: يطلبن، يعني: تطلب هذه الأدوات فعلين، أفهم (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ): أنَّ الأداة جزمت الفعلين معاً، (يَقْتَضِينَ) يطلبن فعلين، يطلبنه على ماذا؟ على أنَّ الأول فعل الشَّرط والثاني جواب الشَّرط، وإذا طلب العامل شيئاً عَمِل فيه.
إذاً: ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ)) [الطلاق:2] (يَتَّقِ) مَجزومٌ بـ: (مَنْ) على أنَّه فعل الشَّرط، و (يَجْعَلْ) مَجزومٌ بـ: (مَنْ) على أنَّه جواب الشَّرط، إذاً: (مَنْ) فقط عَمِلَت الجزم في فعل الشَّرط، وعَمِلَت الجزم في جواب الشَّرط، وهذا هو الصَّحيح، وقيل غير ذلك.
أفهم قوله (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ): أنَّ أداة الشَّرط هي الجازمة للشرط والجزاء معاً، وهذا هو الصَّحيح، لاقتضائها لها – يعني: تقتضيه – والاقتضاء هو معنى العمل، أمَّا الشَّرط فنُقل الاتفاق على أنَّ الأداة جازمةٌ له، الشَّرط الأول: ((وَمَنْ يَتَّقِ)) [الطلاق:2] بالإجماع نُقِل الاتفاق على أنَّه مَجزومٌ بـ: (مَنْ) لكن هذا الاتفاق ليس بِمُسلَّم، نُسب للأخْفَش أنَّهما تَجازما، يعني: جُزِم فعل الشَّرط بِجواب الشَّرط، وجواب الشَّرط بِفعل الشَّرط، كما قيل في المبتدئ والخبر: ترافعا، كلٌ منهما رفع الآخر، ما الرَّافع للمبتدئ؟ الخبر، ما الرَّافع للخبر؟ المبتدأ، كلٌ منهما تعاون على الآخر فرفعه.