فإنَّهم أجازوا الجزم بها قياساً مُطلقاً، والأول أصَح .. الذي هو عدم الجزم بها، وأنَّها للمجازاة معنًى لا عملاً، لماذا نفوا؟ قالوا: لمخالفتها لأدوات الشَّرط بوجوب موافقة شرطها لجوابها، يعني: يُشترط في أدوات الشَّرط أن يكون جملة الشَّرط مُخالفةٌ لجملة الجواب، إلا على تأويل: إذا ضُمِّن معنىً آخر، كما في الحديث: {فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} لَم يَحصل التَّخالف، لكن يُقدَّر له أن الجملة الثانية مخالفة للأولى، حِينئذٍ إذا ضُمِّن معنىً يقتضي المخالفة والمغايرة بين الجملتين صَحَّ.
وأمَّا (كيف) فلا، يكون ما بعدها الجواب موافقاً لِمَا قبلها، لمخالفتها لأدوات الشَّرط بوجوب موافقة شرطها لجوابها، وقيل: يَجوز بشرط اقترانها بـ: (مَا).
إذاً: ثلاثة أقوال: عدم الجزم بها، ثانياً: الجزم بها، ثالثاً: التفصيل، إنْ اقترنت بـ: (مَا) جاز وإلا فلا.
وأمَّا: (لوْ) فذهب قومٌ إلى أنَّها يُجزم بها في الشِّعر خاصَّة، وهذا سيأتي يبحثها النَّاظِم بعد هذا الفصل، يعقد فصل خاص، بـ: (لوْ) وهي الصَّحيح أنَّها ليست جازمة، وإن كان الجزم معلوماً من جهة المعنى، يعني: مثل (كيف) يعني: يُجازى بها معنىً لا عملاً.
قال الشَّارح هنا: " والثاني ما يَجزم فعلين وهو (إِنْ) كقوله: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ)) [البقرة:284] " (إِنْ تُبْدُوا) (إِنْ) هذا حرف شرط، و (تُبْدُوا) هو فعل الشَّرط، (أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ) (يُحَاسِبْكُمْ) هذا جواب الشَّرط.
و (مَنْ): ((مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ)) [النساء:123] (يَعْمَلْ) هذا فعل الشَّرط، و (يُجْزَ بِهِ) هذا جواب الشَّرط، إذاً: هذه عملت في فعلين.
و (مَا) نَحو: ((وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ)) [البقرة:197] (تَفْعَلُوا) فعلٌ مضارع مجزوم بـ: (مَا)، و (يَعْلَمْهُ) كذلك مجزوم بـ: (مَا).
و (مَهْمَا) نَحو: ((وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)) [الأعراف:132] (فَمَا نَحْنُ لَكَ) الفاء واقعة في جواب الشَّرط، وجملة: (مَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) في مَحلِّ جزم جواب الشَّرط.
(أَيٌّ): ((أَيّاً مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)) [الإسراء:110] إذاً: جزمت فعلين، الأول: (تَدْعُوا) والثاني: أقيم مقامه الجملة الاسْميَّة، ولذلك اقترنت بالفاء.
و (مَتَى) كقوله:
مَتَى تَأَتهِ تَعْشُو إِلى ضَوْءِ نارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَها خَيرُ مُوقِدِ
مَتَى تَأَتهِ تَعْشُو ..
(أَيَّانَ):
أَيَّانَ نُؤْمِنْكَ تأمَنْ غيرَنا ..
جزمت فعلين (نُؤْمِنْكَ) .. (تأمَنْ) فعل الشَّرط وجواب الشَّرط.
و (أَيْنَمَا):
أَيْنَمَا الرِّيحُ تُمَيِّلْهَا تَمِلْ ..
والآية أوضح: ((أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ)) [النساء:78].
و (إِذْ مَا):
وَإِنَّكَ إِذْ مَا تَأْتِ مَا أَنْتَ آمِرٌ ... بِهِ تُلْفِ مَنْ إِيَّاهُ تَأْمُرُ آتِيَا
(تُلْفِ) هذا جواب الشَّرط.