الثالث: يَجوز فيه الأمران، وهو: (إِنْ)، و (أَيٌّ)، و (مَتَى)، و (أَيْنَ)، و (أَيَّانَ)، إنْ مَا .. إنَّمَا، قد يُقال: إمَّا، وقد يُقال: ((أَيّاً مَّا تَدْعُوا)) [الإسراء:110] هذا وارد، متى ما تدعوا، ((أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ)) [النساء:78] جاءت (أَيْنَمَا) زيدت عليها (مَا)، أيَّانَ ما تَعدِل، زيدت عليها (مَا)، لكن هل هي شرطٌ في إعمالها؟ الجواب: لا، لأنَّها قد تخلو منها تقول: (أَيَّانَ) لوحدها، وقد تزيد عليها (مَا).
إذاً:
وَاجْزِمْ بِإِنْ وَمَنْ وَمَا وَمَهْمَا ... أَيٍّ مَتَى أَيَّانَ أَيْنَ إِذْ مَا
وَحَيْثُمَا أَنَّى وَحَرْفٌ إِذْ مَا ... كَإِنْ وَبَاقِي الأَدَوَاتِ أَسْمَا
هذا ما يَتعلَّق بها على جهة العموم.
أسقط النَّاظِم من الجوازم: (إذا) و (كيف) و (لوْ) لم يذكرها النَّاظِم هنا، وأسقطها عمداً، يعني: ترجيحاً منه على أنَّها ليست بِجازمة، وإنْ وقع نزاع في بعضها.
أمَّا (إذا) فالمشهور أنَّه لا يُجزم بها إلا في الشِّعْر، قال ابن آجروم هناك: " و (إذا) في الشِّعْر خاصَّة " يعني: لا في النَّثر:
إِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ ..
(تُصِبْكَ) فعل مضارع مجزوم بـ: (إِذا) لكنَّه خاصٌّ بالشِّعْر، وقيل: ضرورة.
إذاً: أمَّا (إذا) فالمشهور أنَّه لا يُجزم بها إلا في الشِّعْر، لا في قليل الكلام ولا كثيره، وظاهر (التَّسهيل) جواز ذلك في النَّثر على قِلَّة، يعني: يَجوز أن يُجزم بـ: (إذا) في النَّثر لكنَّه قليل، لماذا نفوا أن تكون (إذا) جازمة؟ لأنَّها موضوعةٌ لزمن مُعيَّن واجب الوقوع، والشَّرط المقتضي للجزم لا يكون إلا فيما يَحتمل الوقوع وعدمه: إن جاءني زيدٌ أكرمته، مجيء زيد والإكرام هل هو مقطوعٌ بوقوعه أم لا؟ مُحتمل يقع أو لا يقع، هذا شأن الشَّرط: لا يعمل إلا فيما إذا كان ما بعده غير مُتحقِّق الوقوع .. يحتمل الوقوع، ويحتمل عدم الوقوع.
وأمَّا (إذا) فلا، ما بعدها يكون مُتحقِّق الوقوع، فإذاً: لا يكون شرطاً، فانتفى عنها معنى الشَّرطيَّة، لأنَّ ما بعدها لا يكون إلا مُتحقِّق الوقوع، ولذلك نفاها أكثر النُّحاة. لأنَّها موضوعةٌ لزمنٍ مُعيَّن واجب الوقوع، والشَّرط المقتضي للجزم لا يكون إلا فيما يحتمل الوقوع وعدمه: من جاءني أكرمته، المجيء ليس بِمقطوعٍ به، وكذلك الإكرام ليس مقطوعاً به، إذاً: هو مُتوقَّع، و"إذا" لا يكون في المُتوقَّع بل في مُتعيِّن الوقوع.
وأمَّا (كيف) وهذه عَدَّها الكوفيون، وبعضهم اشترط فيها (مَا). (كيف) فيجازى بها معنىً لا عملاً، يعني: من حيث المعنى يُجازى بِها، ولذلك: أوات الشَّرط قد تَجزم وقد لا تَجزم كما سيأتي.
فيُجازى بِها معنىً لا عملاً، خلافاً للكوفيين فإنَّهم أجازوا الجزم بها قياساً مُطلقاً، والصَّحيح أنَّها ليست بِجازمة، وإن كان في المعنى يُرتَّب عليها الجزاء، إذ ليس كلُّ ما رُتِّب عليه الجزاء يكون عاملاً الجزم، كما سيأتي في: (فَصْلِ " لَوْ " وَ"لَوْلاَ").