الثاني: (لَمَّا) في لسان العرب إيجابيَّة بِمنْزِلة (إلا) يعني: تأتي للإيجاب، نَحو قولهم: عزمت عليك لَمَّا فعلت كذا، يعني: إلا فعلت كذا، فـ: (لَمَّا) هنا إيجابيَّة بِمعنى: (إلا) يعني: تُفسِّرها بـ: (إلا) فليست جازمة، ولذلك تدخل على الفعل الماضي: لَمَّا فَعَلْتَ .. (فَعَلْتَ) فعل ماضي، تقول مجزوم؟! لا، ليس بِمجزوم، لأن (لَمَّا) تَجزِم فعلاً واحداً وليست مثل: إن قام زيدٌ، تقول: في مَحلِّ جزم، هناك يأتي فعل الشَّرط وجواب الشَّرط قد يكون في مَحل جزم، وأمَّا هنا فلا.

عزمت عليك لَمَّا فَعَلتَ كذا، أي: إلا فعلت كذا، أي: ما أطلب منك إلا فعل كذا، وهذه حرفٌ باتفاق كذلك، ولا تدخل إلا على جملةٍ اسْميَّة نَحو: ((إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ)) [الطارق:4] حَافِظٌ عليها، (حَافِظٌ) مبتدأ مُؤخَّر، و (عَلَيْهَا) خبر مُقدَّم، إذاً: دخلت على جملة اسْميَّة.

أو على الماضي لفظاً على معنى: عزمت عليك لَمَّا فَعَلتَ، (فَعَلتَ) متى في الماضي أو في المستقبل؟ لَمَّا فَعَلتَ كذا، يعني: إلا فعلت كذا في المستقبل، عزمت عليك .. على شيءٍ مضى، أو شيء يقع؟ يعني: كأنَّه أُقسم عليك لَمَّا فعلت كذا، يعني: إلا تفعل كذا.

إذاً: دخلت على ماضي لفظاً لا معنىً، نَحو: أنشدك الله لَمَّا فعلت كذا، أي: إلا فعلت كذا، وهذه حَرفيَّة .. (لَمَّا) الإيجابيَّة حرفيَّة.

النَّوع الثالث (لَمَّا) في لسان العرب: أن تكون رابطة لوجود شيءٍ بوجود غيره، يُسميِّها البعض: حينيَّة، على القول: بأنَّها ظَرف، رابطة لوجود شيء بوجود غيره: لَمَّا جاءني أكرمته، هذه بِمنزلة (إنْ) الشَّرطيَّة، (إنْ) الشَّرطيَّة تفيد التعليق فحسب: لَمَّا جاءني أكرمته، إذاً: أفادت ربط الإكرام بالمجيء، فتدلُّ على ارتباط تَحقُّق مضمون الجملة الثانية بِتحقُّق مضمون الجملة الأولى ارتباط السَّببيَّة، وهذا شأن الشَّرط.

يعني: مضمون الجملة الثانية مرتبطٌ بِمضمون الجملة الأولى: إن جاء زيدٌ أكرمته، مضمون: (أكرمته) في التَّحقُّق والوجود متوقفٌ على مضمون: إنْ جاءني زيدٌ، (إنْ) تَحقَّق مضمون الجملة الأولى .. فعل الشَّرط تَحقَّق مضمون الجملة الثانية، أفادته (لَمَّا) التي بِمعنى حرف .. رابطة لوجود شيءٍ بوجود غيره، فهي شبيهة بِحرف الشَّرط، والصَّحيح أنَّها حرف، مع وجود خلاف.

ولا يليها إلا ماضٍ لفظاً ومعنىً، كقوله: ((وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً)) [هود:58] إذاً: هي حرفٌ على الصَّحيح، ولا يليها إلا ماضٍ لفظاً ومعنىً.

فالنَّوع الثاني والثالث لا يحتاج للاحتراز عنهما لأن المضارع لا يليهما، ولذلك أطلق النَّاظِم هنا قال: (بِلَمْ وَلَمَّا) وبعضهم يقول: أختها، احترازاً من (لَمَّا) الإيجابيَّة و (لَمَّا) الرابطة، حِينئذٍ (لَمَّا) الإيجابيَّة و (لَمَّا) الرابطة لا تدخل على الفعل المضارع، وإذا لم تدخل حِينئذٍ لا لبس بينها وبين (لَمَّا) الجازمة.

والجمهور على أنَّ (لَمَّا) مركبةٌ من: (لَم) و (مَا) الزائدة، وقيل: بسيطة، والصَّحيح أنَّها بسيطة .. (لَم) و (مَا).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015