ومن الفوارق: بكون مَنفِيِّها يكون قريباً من الحال، ولا يُشترط ذلك في منفي (لَمْ)، يعني: (لَمَّا) مَنفِيِّها يكون قريباً من الحال الذي هو النُّطق، ولا يُشترط ذلك في منفي (لَمْ)، تقول: لَمْ يكن زيدٌ في العام الماضي مقيماً، ولا يَجوز: لَمَّا يكن، يعني: لا تنفي بـ: (لَمَّا) شيء بعيد قبل سنة أو سنتين، وإنَّما إذا أردت ذلك تنفيه بـ: (لَمْ) ولا تأتي بـ: (لَمَّا) .. (لَمَّا) لا بُدَّ أن يكون المنفي قريب من الحال، تنفي قبل يوم .. يومين .. ثلاث إلى آخره، وأمَّا تنفي قبل سنة فلا، إنَّما تستعمل (لَمْ)، هذا من الفوارق بينهما.
قال ابن مالك: " هذا غالبٌ لا لازم " يعني: الغالب فيها أنَّها تنفي ما كان قريباً من الحال (لَمَّا) بِخلاف (لَمْ) للبعيد، لكن هل هو لازمٌ لها أم غالب؟ الكثير على أنَّه لازمٌ لها، فإذا اسْتَعملت (لَمَّا) في البعيد قالوا: هذا لحنٌ .. غلط! وعلى رأي ابن مالك: أنَّه غالبٌ لا لازم، قالوا: هذا هو الصَّحيح.
وبكون مَنفِيِّها يُتوَقَّع ثبوته، يعني: بعد (لَمَّا) إذا قُلتْ: قاربت المدينة ولَمَّا أدخلها، يعني: وسأدخلها لأنه قريب الحصول، وهو متفائل بِحصوله، وكأن الأسباب الدَّالة على الحصول قد وجدت، بِخلاف (لَمْ) قد يكون قريب الحصول وقد لا يكون.
وبكون مَنفِيِّها يُتوَقَّع ثبوته بِخلاف منفي (لَمْ) نَحو قوله تعالى: ((بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ)) [ص:8] يعني: وسيذوقونه، يعني: فيه إشارة إلى ذوقهم للعذاب، وأمَّا (لَمْ) فلا، ((بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ)) [ص:8] أي: أنَّهم لم يذوقوه إلى الآن، وأنَّ ذوقهم له مُتوقَّع .. سيقع، وهذا بالنِّسبَة إلى المستقبل، فأمَّا بالنِّسبة إلى الماضي فهما سِيَّان في التَّوقُّع وعدمه، ((بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ)) [ص:8] في المستقبل، وأمَّا الماضي فقد تُستعمل (لَمْ) و (لَمَّا)، في شيءٍ يُتوقَّع أنَّه وقع، أو أنَّه لَمْ يَقع.
مِثال التَّوقُّع: ما لِي قُمتُ ولَمْ تقم؟ هذا توقُّع، أو: ما لِي قُمتُ ولَمَّا تقم، ومثال عدم التَّوقُّع أن تقول ابتداءً: لَمْ يقم، أو: لَمَّا يقم زيدٌ.
إذاً: (لَمَّا) و (لَمْ) يفترقان باعتبار المستقبل: أنَّ (لَمَّا) تُشير إلى تَوقُّع حصول ما بعدها أنَّه سيثبت: ((لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ)) [ص:8] أي: سيذوقونه، وأمَّا باعتبار الماضي فلا .. لا فرق بين (لَمْ) و (لَمَّا) في التَّوقُّع .. تَوقُّع الحصول وعدمه، وإنَّما الخلاف في المستقبل.
إذاً: (هَكَذَا بِلَمْ وَلَمَّا) قلنا: (وَلَمَّا) أطلقها النَّاظِم وقرنها بـ: (لَمْ) فدلَّ على أنَّها أختها، لأن (لَمَّا) في لسان العرب على ثلاثة أنْحاء:
أولاً: أنَّها تأتي نافية بِمنْزلة (لَمْ) .. مثلها .. أختها، وإذا أطلقت في هذا المقام انصرفت إليه، كقوله: ((لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ)) [عبس:23] (لَمَّا) حرف نفيٍ وجزمٍ وقلب مبني على السكون لا مَحلَّ له من الإعراب، (يَقْضِ) فعلٌ مضارع مجزوم بـ: (لَمَّا) وجزمه: حذف حرف العِلَّة.
هذه الأولى نافية بمنزلة (لَم) وهي حرفٌ باتفاق.