تغييرٌ مخصوص: هذا بناءً مذهب الكوفيين من أنَّ الإعراب معنوي، وعلى القول بأنه لفظي هو السكون وما ناب عنه، الذي ينوب عن السكون شيءٌ واحد وهو الحذف، والسكون داخلٌ في الحذف، لأن الحذف إمَّا أن يكون حذف حركة، أو يكون حذف حرفٍ، وإذا قيل: يقوم .. لم يقم، أنْتَ حذفت الحركة فصار سكون، فالسكون حِينئذٍ ليس من الحركات، ولذلك الحركات إمَّا ضَمَّة أو فتحة أو كسرة، لأنها شيءٌ يُلفظ بها، وأمَّا السكون فهو عدم حِينئذٍ لا يلتفت إليه.
(عَوَامِلُ ?لْجَزْمِ) قلنا: هذا من خصائص الفعل المضارع، لأن العمل إذا كان خاصَّاً بالاسم فلا يعمل ذلك العمل الخاص إلا ما اخْتصَّ بالدخول عليه، فإذا قيل: بأن أنواع الإعراب أربعة: رفعٌ ونصبٌ وخفضٌ وجزمٌ، اشترك الاسم والفعل في الرَّفْع والنَّصْب، وانفرد الاسم بالخفض ولم يشاركه الفعل، وانفرد الفعل بالجزم ولم يشاركه الاسم.
حِينئذٍ كل ما اقتضى عملاً خاصَّاً فلا بُدَّ أن يكون العامل فيه مِمَّا يَختصُّ بِمدخوله، إن كان خفضاً فلا يعمل فيه إلا ما اخْتصَّ بالدخول على الاسم وهو حرف الجر أو المضاف، ولذلك المضاف وحرف الجر لا يدخلان الفعل البتَّة، وكذلك الجزم، نقول: النوع هذا من خصائص الفعل المضارع، حِينئذٍ ما الذي يُحدثه؟ يُحدثه (لَم) و (من) مِمَّا يَجزم فعلاً واحداً أو يَجزم فعلين؟ نقول: هذه لا تدخل إلا على الفعل على جهة الخصوص ولا تدخل على الجملة الاسمية، ولا على الاسم لوحده.
ولذلك مِمَّا يُرجح أنَّ قوله: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ)) [التوبة:6] فأن (أنْ) هنا داخلةٌ على جملة فِعليَّة كونها تعمل، حِينئذٍ كيف يُقال: بأنَّها تعمل الجزم، ثُم تدخل على الجملة الاسْمية: (وَإِنْ أَحَدٌ) مبتدأ، وجملة (اسْتَجَارَكَ) خبر، هذا مِمَّا يدل على أنَّ هذا القول ضعيف، والصواب أنَّه: وإن أحدٌ استجارك .. وإن استجارك أحدٌ، يجب التقدير هنا، ويكون (أَحَدٌ) هذا فاعل لفعلٍ محذوف.
(عَوَامِلُ ?لْجَزْمِ) يعني: التي تَجزم الفعل المضارع نوعان .. على قسمين:
- منها ما يَجزم فعلاً واحداً، ومنها ما يَجزم فعلين، الذي يجزم فعلاً واحداً أربعة ذكرها النَّاظم بقوله:
بِلاَ وَلاَمٍ طَالِباً ضَعْ جَزْمَا ... فِي الْفِعْلِ هَكَذَا بِلَمْ وَلَمَّا
والذي يجزم فعلين إحدى عشرة أداة، عنها بقوله:
وَاجْزِمْ بِإِنْ وَمَنْ وَمَا وَمَهْمَا ... أَيٍّ مَتَى أَيَّانَ أَيْنَ إِذْ مَا
وَحَيْثُمَا أَنَّى وَحَرْفٌ إِذْ مَا ... كَإِنْ وَبَاقِي الأَدَوَاتِ أَسْمَا
البيت الأول فيما يجزم فعلاً واحداً، فذكر فيه أربع أدوات، والبيت الثاني والثالث مِمَّا يَجزم فعلين، وذكر فيه إحدى عشرة أداة:
بِلاَ وَلاَمٍ طَالِبَاً ضَعْ جَزْمَا ... فِي الْفِعْلِ. . . . . . . . . .