بِأَبِهِ: هنا جره بالكسرة، مع إضافته إلى ضمير الغائب، وهذه لغة، ومن يشابه أبه: هنا نصبه بالفتحة، مع إضافته للضمير لاستيفائه للشرط، حينئذٍ بِأَبِهِ يجوز أن يقول: بأبيه، وبأبه في غير الشعر، ومن يشابه أباه .. ومن يشابه أبه، يجوز فيه الوجهان، لو قال قائل: هذا البيت قاله في الشعر، فيحتمل أنه ضرورة، يحتمل أنه بأبه، أي: بأبيه ولكنه قصره ضرورةً، ومن يشابه أبه، الأصل: أباه، قلنا: حكا أبو زيد: جاءني أخُك، أخُك رَدَّهُ؟ لم يرد المحذوف، والشيء إذا استعمل نثراً دل على أنه لغة، لو لم يرد حينئذٍ يتوجه الاعتراض بأنه يحتمل أنه من قبيل الضرورة، لكن حكا أبو زيدٍ: جاءني أخك، والفراء: هذا حمُك، ولم يقل: حموك، فدل على أنه لغةٌ لا ضرورة.
إذاً: يجوز في أبٍ وأخٍ وحمٍ النقص، يندر لكنه قليل، قليل عن ماذا .. أقل من ماذا؟ من الإتمام، إذاً: أبٌ أخٌ حمٌ يجوز فيه لغتان .. إلى هنا يجوز فيه لغتان، الإتمام والإعراب بالحروف، أبوك أخوك حموك .. أباك أخاك حماك .. أبيك أخيك حميك، فحينئذٍ هذا هو الأصل، ويجوز النقص بألا ترجع الواو ويعرب بالحركات الظاهرة على آخره، كما قلنا في: بأبه، ومن يشابه أبه.
أيهما أفصح وأكثر؟ الإتمام على العكس من الهنُ، ولذلك قال: والنَّقْصُ فِي هذا الأَخِيرِ أَحْسَنُ، يعني: أكثر استعمالاً، وأما: وَفِي أبٍ وَتَالِيَيْهِ يَنْدُرُ، أي: قليل، وإذا قيل: يندر، ليس المراد به أنه ليس بفصيح، بل هو فصيح، كل ما ورد في لسان العرب ولم يكن ثم مانع من اعتباره فهو فصيح.
وَفِي أبٍ وَتَالِيَيْهِ يَنْدُرُ، أي: يقل النقص.
وَقَصْرُهَا مِنْ نَقْصِهِنَّ أَشْهَرُ: هذه اللغة الثالثة في أب وتالييه، وَقَصْرُهَا الضمير يعود إلى أي شيء؟ إلى أقرب مذكور: وَفِي أبٍ وَتَالِيَيْهِ، يعني: أبٌ أخٌ حمٌ قصرها أشهر من نقصهن، ما المراد بالقصر هنا؟ المراد بالقصر أن تستعمل كالفتى، فتى: مقصور آخره آلف لازمة، حينئذٍ نقول: هذه لغة القصر، وهي أن تكون بالألف رفعاً ونصباً وجراً، هذا أباه وأخاه وحماها، ورأيت أباه وأخاه وحماها، ومررت بأباه وأخاه وحماها:
إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَاتَاهَا
إِنَّ أَبَاهَا: هذا يحتمل أنه منصوب بالألف، ويحتمل أنه على لغة القصر، وَأَبَا: هذا معطوف على اسم إن، كذلك يحتمل، الاستدلال ليس بالأول ولا بالثاني، وَأبَا: هذا معطوف على اسم إن فهو منصوب، أبا مضاف، وأَبَاهَا امضاف إليه، لو كان أجراه على لغة الإتمام لقال: وأبا أبيها، لكن أجراه على الألف، حينئذٍ عامله معاملة المقصور كالفتى.
نرجح بهذا أن قوله: إنَّ أبَاهَا وَأبَا كذلك مقصور؛ لأنه يبعد أن يستعمل الشاعر في بيت واحد لغتين مختلفتين، والأصل في اللغات أنها لكل قبيلة لغتها الخاصة بها، وما يسمى بالتداخل كما في فضل يفضل غير، هذا كله من باب التكلف عند الصرفيين، وإلا الأصل فيه: أن كل صاحب لغةٍ فحينئذٍ يختص بقبيلة معينة، والتداخل هذا لا يلجأ إليه إلا عند عدم وجود عذر يعتذر به عن وجود الخلل.