وجوازاً إن لم يكن حقيقياً، بأن كان بالنسبة إلى ما قبل (حَتَّى)، والمراد: المستقبل الذي لم يُؤَوَّل بالحال لوجوب رفع المستقبل المؤَوَّل به، وإنَّما شُرِط في نصب المضارع استقباله، لأنَّ نصبه بـ (أَنْ) المضمرة وهي تُخلِّصه للاستقبال، يعني: النصب بعد (حَتَّى) بـ (أَنْ) مضمرة، وأنَّ المضمرة سبق أنَّها تُخلِّص الفعل المضارع للاستقبال، فتعيَّن أن يكون كذلك شأنُه بعد (حَتَّى).

وَتِلْوَ حَتَّى حَالاً اوْ مُؤَوَّلاَ ... بِهِ ?رْفَعَنَّ. . . . . . . . . . .

إذاً: لا يُنْصَب الفعل بعد (حَتَّى) إلا إذا كان مستقبلاً، يعني: مستقبلاً بالنسبة إلى ما قبل (حَتَّى)، (أَوْ) هذا على التَّأويل، (أَوْ) أن يكون مستقبلاً بالنسبة إلى زمن التَّكلُّم هذا حقيقةً .. إذا كان مستقبلاً بالنسبة إلى زمن التَّكلُّم هذا صار حقيقةً، وإذا كان باعتبار ما قبله حينئذٍ نقول: هذا مُؤَوَّلٌ به.

ثُمَّ إن كان الاستقبال حقيقياً بأن كان بالنسبة إلى زمن التَّكلُّم فالنَّصب واجب: لأسِيرَنَّ حَتَّى أدخل المدينة، لو قال هذا القول وهو يسير، لو قال: لأسِيرَنَّ حَتَّى أدخل المدينة، نقول: هو بعد لم يدخل المدينة، وقال هذا القول وهو يسير، إذاً نقول: ما بعد (حَتَّى) مستقبلٌ لما قبله باعتبار زمن التَّكلُّم هذا حقيقي وهو أعلى الدرجات، بل إذا أُطْلِق فالمراد به هذا النُّوع: لأسيرنَّ حتى أدخلَ المدينة .. إلى أن أدخلَ المدينة، إن قاله زمن التَّكلُّم وهو في وقت سيره إلى المدينة ولَمَّا يدخلها.

وإن كان غير حقيقي بأن كان بالنسبة إلى ما قبلها خاصة فالنصب جائزٌ لا واجب، هذا مشهور عند بعضهم النصب جائز لا واجب بل الصواب: أنَّه واجب في الحالين، وهذا هو المؤَوَّل، ولذلك نصَّ هنا قال:

وَتِلْوَ حَتَّى حَالاً اوْ مُؤَوَّلاَ ... بِهِ ?رْفَعَنَّ. . . . . . . . . . .

كقوله: ((وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ)) [البقرة:214] (حَتَّى يَقُولَ .. حَتَّى يَقُولُ) حينئذٍ نقول: وإن كان غير حقيقي، بأن كان بالنسبة إلى ما قبلها خاصَّةً فالنصب جائزٌ لا واجب، هذا على أصله، استدراكٌ .. إذا كان الاعتبار باعتبار ما قبلها في التَّركيب فالنصب جائزٌ لا واجبٌ، وأمَّا باعتبار الحكاية .. باعتبار الرفع فهو الواجب.

((وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ)) [البقرة:214] (حَتَّى يَقُولُ) هنا لك نظران، أين الاستقبال؟ إذا نصبنا: (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) إذا نصبنا نقول: القول ((حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)) [البقرة:214] هذا غاية لما قبله، إذاً: باعتبار الزِّلزال والقول فالزِّلزال سابقٌ على القول، والقول غاية لِمَا قبله، حينئذٍ بهذا الاعتبار صار مستقبلاً فلذلك نُصِب، أمَّا باعتبار الحكاية والقَّصِّ علينا نحن فالقصَّة كلها .. القول والزِّلزال قد وقع وحصل، حينئذٍ قيل: يَجوز الرَّفع، وهنا الصواب: أنَّه يجب الرفع، إذا نظرنا إلى كونه مَحكيَّاً وأنَّه مُقَص على بعد من وقع لهم ذلك، حينئذٍ نقول: ما قبل (حَتَّى) وما بعده كله ماضي، الزِّلزال والقول ماضيان حينئذٍ يتعيِّن الرَّفع، فالرَّفع واجبٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015