"فإن كان حالاً أو مُؤَوَّلاً بالحال وجب رفعه و (حَتَّى) حينئذٍ ابتدائية، إذا رُفِع ما بعد (حَتَّى) (حَتَّى) ابتدائية، وإذا نُصِب ما بعد (حَتَّى) فـ (حَتَّى) حرف جر جرَّت المصدر: ((حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى)) [طه:91] التقدير: (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى رُجُوعِ مُوسى) فـ (رجوعِ) مجرور بـ (حَتَّى) وهو مصدر، كيف جرَّته؟ نقول: (حَتَّى) على أصلها: أنَّها حرف جر، فإذا جاء بعدها مصدر وهو مفرد جرَّته: (حَتَّى رجوعِ موسى)، وإذا رُفِع ما بعدها حينئذٍ صارت (حَتَّى) ابتدائية، لأنَّ الذي وقع بعدها جملة، وسبق أن الذي يقع بعدها جملة إنما تكون ابتدائية .. جملة اسْميَّة أو جملة فعلية مُضارعيَّة أو ماضوية، حينئذٍ يتعيَّن أن تكون (حَتَّى) ابتدائية، فإذا رُفِع ما بعد (حَتَّى) فهي ابتدائية، وإذا نُصِب فهي حرف جر.
قال هنا النَّاظم:
وَتِلْوَ حَتَّى حَالاً اوْ مُؤَوَّلاَ ... بِهِ ?رْفَعَنَّ وَانْصِبِ ?لْمُسْتَقْبَلاَ
(وَانْصِبِ المُسْتَقْبَلاَ) يعني: شرط أن تكون (أَنْ) مضمرةً بعد (حَتَّى) أن يكون الفعل للمستقبل، لماذا .. لماذا اشترطنا الاستقبال هنا؟ لأنَّ النواصب كلها تُخلِّص الفعل للاستقبال، حينئذٍ يتعيَّن أن يكون الفعل بعدها مستقبلاً هذا هو الأصل فيها، ولذلك قال: (وَانْصِبِ المُسْتَقْبَلاَ) أي: لا يُنْصَبُ الفعل بعد (حَتَّى) إلا إذا كان مستقبلاً، فإن لم يكن مستقبلاً بأن كان حالاً، أو حكاية حالٍ وجب الرفع في الموضعين، لأنَّ القسمة ثنائية .. فعل مضارع إمَّا أن يدلَّ على الحال أو على الاستقبال، شرط النَّصب بعد (حَتَّى) أن يكون دالاً على الاستقبال.
وهذا قلنا: شرطٌ عامٌ في جميع النَّواصب، حينئذٍ (أن، ولن، وكي، وإِذَن) لا بُدَّ أن يكون ما بعدها الفعل مستقبلاً، فإن كان للحال حينئذٍ حصل تعارض، أدوات النصب تُخلِّص الفعل إلى المستقبل، فكيف تنصبه وتُؤَثِّر فيه وتُخلِّصه للمستقبل وهو للحال؟! هذا تناقض، حينئذٍ نقول: لا بُدَّ من اشتراط أن يكون الفعل بعدها مستقبلاً.
(وَانْصِبِ المُسْتَقْبَلاَ) (وَانْصِبِ) فعل أمر تَحرَّك آخره للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، (وَانْصِبِ) أي: وجوباً إن كان الاستقبال حقيقياً بأن كان بالنسبة إلى زمن التَّكلُّم، لو قال: سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلَ البَلد، لو قال ذلك وقت الدخول وهو يدخل: سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلُ البَلدَ، حينئذٍ تعيَّن الرفع، لأنَّ ما بعده ليس مستقبلاً لِمَا قبله فحينئذٍ يتعيَّن، لأنَّه إنما قال ذلك الفعل وقت قوله حال دخوله، وإذا حكاه لشيءٍ مضى: سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلُ البَلدَ، كذلك تعيَّن الرَّفع، وأمَّا إذا قاله قبل الدخول .. قبل أن يقع: سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلَ، يعني: إلى أن أدخل .. سَيْرِي إلى أن أدخل البلد، حينئذٍ تعيَّن النَّصب.
(وَانْصِبِ المُسْتَقْبَلاَ) أي: وجوباً إن كان الاستقبال حقيقياً بأن كان بالنسبة إلى زمن التَّكلُّم، يعني: باعتبار قولك للجملة، إن كان الفعل الواقع بعد (حَتَّى) مستقبلاً بالنسبة لتكلُّمِك أنْتَ والحدث حينئذٍ وجب النصب.