فالفصيح في الهنِ: أن يعرب بالحركات الظاهرة على النون، هذا هو الفصيح، الفصيح الذي يوافق أكثر لسان العرب، وما سمع فيه: أن يعرب الهنُ كغدٍ، كذا قال ابن هشام في: قطر الندى، بالحركات الظاهرة على النون، ولا يكون في آخره حرف علة، يعني: إما أن ترده فتقول: هنوك، وإما أن تبقيه على المحذوف فتقول: هنُك، هنُ: الهاء والنون حرفان من الكلمة، الهاء هي فاء الكلمة، والنون هي عين الكلمة، حذفت اللام اعتباطاً، عند الإضافة القياس والأكثر استعمالاً ألا يُرَدَّ المحذوف.

ولذلك هنا مع كثرته استعمالاً وهو الفصيح، كذلك وافق القياس؛ لأن يداً أصلها: يديٌ، ولذلك تقول: هذه يدك، ورأيت يدك، لا ترد المحذوف، إذاً: القاعدة والقياس: أن المحذوف اعتباطاً الأصل فيه ألا يرجع، بخلاف المحذوف لعلة، هذا الأصل فيه الرجوع، فحينئذٍ: هنُك، مثل يدك، فالأفصح فيه ألا ترجع الواو.

ولذلك كان أكثر استعمال العرب على عدم إرجاع الواو فيقولون: هنُك .. هذا هنُ زيدٍ، بالإضافة ولم ترجع الواو، ورأيت هنَ زيدٍ، ومررت بهنِ زيدٍ، فحينئذٍ بقي على أصله من الحذف؛ لأنه إذا حذف اعتباطاً الحرف صار نسياً منسياً، يعني: كأن اللفظ قد وضع على حرفين، فإذا صار نسياً منسياً حينئذٍ لا ينبغي رده عند الإضافة، هذا هو الأصل المطرد والموافق للقياس، جاء الاستعمال الفصيح موافقاً للقاعدة، فجاء هنُ زيدٍ، ورأيت هنَ زيدٍ، ونظرت إلى هنِ زيدٍ.

ولذلك قال في النظم: والنَّقْصُ فِي هذا الأَخِيرِ أَحْسَنُ، وهو الذي شرحناه، أي: النقص في هنِ أحسن من الإتمام، الإتمام: هو رد الواو، فبدلاً من أن يقول: هذا هنُ زيد، يقول: هذا هنو زيد، برد الواو فحينئذٍ يكون إعرابه بالواو نيابةً عن الضمة، فيقول: هذا هنُك .. هنُوك يجوز فيه الوجهان، وهنُك أكثر وأفصح من هنوك، ولذلك قال في الشرح: أي النقص في هنٍ أحسن من الإتمام، والإتمام جائزٌ لكنه قليل جداً، ولذلك لقلته أنكر الفراء جواز إتمامه، لكنه محجوج بحكاية سيبويه وغيره، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.

وهي مع كونها أكثر استعمالاً هي أفصح قياساً؛ لأن ما كان ناقصاً في الإفراد قبل الإضافة فحقه أن يبقى على نقصه في الإضافة كما في يدٍ، إذاً: مراد المصنف بقوله: وهنُ فصَله عما قبله ليدل على أن الإتمام وإن كان مسموعاً إلا أنه دون الفصيح، وأن الفصيح في هنٍ على جهة الخصوص هو الإتمام، ولذلك لا بد من التنبيه على هذا.

وعيب من النحاة من سرد الأسماء الستة كلها دون أن ينبه على أن هناً دون بقية الأسماء، ولذلك قال ابن مالك: ومن لم ينبه على قلته فليس بمصيب، وإن حظي من الفضل بأوفر نصيب، وهو قد نبه هنا بفصله بـ (الكذلكة)، قال: أبٌ أخٌ حمٌ كذاك وهنُ كذاك، فدل على أنه عمل بما انتقد به غيره:

والنَّقْصُ فِي هذا الأَخِيرِ أَحْسَنُ: والنقص، ما المراد بالنقص هنا؟ يعني: كونه منقوصاً، المنقوص عن النحاة له معنيان: منقوص لغوي، ومنقوص اصطلاحي، المنقوص اللغوي: مرادهم به: كل كلمة حذفت لامها اعتباطاً، يعني: باعتبار اللغة، حذفت لامها، بخلاف المنقوص الاصطلاحي، فهو المراد به: القاضي، كل اسم معرب آخره ياء لازمة ساكنة قبلها كسرة، هذا المراد به القاضي ونحوه، هذا سيأتي:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015