ومذهب الخليل أنَّ النَّصب بـ: (أنْ) مضمرةً بعدها، لعدم اختصاصها بدخولها على الجملة الاسمية، يعني: كونها غير مُختصَّة، حينئذٍ لا تكون عاملةً النَّصب، نَحو: إذَنْ عبد الله يأتيك.
على كلٍ: الصواب أنَّها عَمِلَت النَّصب بنفسها لا بـ: (أنْ) مضمرةً بعدها، وأنَّها حرفٌ، وأنَّها بسيطةٌ، هذا الصحيح فيها.
أمَّا معناها: فهي عِند سيبويه الجواب والجزاء يعني: تدلُّ على الجواب والجزاء، الجواب يعني: لا تقع ابتداءً: آتيك .. سأزورك إذن، لا بُدَّ أن يكون قبلها كلام، فتكون جواباً، والجزاء يعني: تعليق شيءٍ على شيء، آتيك .. سأزورك، نقول: إذن أكرمك.
إذاً: كونها مسبوقة بكلامٍ: سأزورك، ووقعت في الجواب، وكون الإكرام مرتَّب على الزيارة هذا معنى الجزاء، لأن الجزاء تعليق شيءٍ على شيء آخر، إذاً: معناها الجواب والجزاء، أي: ربط الجواب بالجزاء.
والجواب أي: كلام آخر ملفوظ أو مُقدَّر، سواء وَقَعَت في الصدر أو الحشو أو الآخر، يعني: مُطلقاً تكون للجواب والجزاء.
والجزاء أي: المجازاة بمضمون كلامٍ آخر، يعني: ترتيب شيءٍ على شيءٍ آخر.
قال الشَّلُوبِين: " في كل موضعٍ " يعني: تكون للجواب والجزاء في كل تركيب البَتَّة، لا تنفك عن هذا المعنى مُطلقاً، وقال الفارسي في الأكثر، وقد تَتَمَحَّض للجواب، يعني: قد لا يُراد بها الجزاء، مَحلُّ الخِلاف في الجزاء، أمَّا وقوعها جواباً، فهذا مَحلُّ وفاق.
مذهب سيبويه أنَّ (إِذَنْ) تكون بِمعنيين: جوابٌ وجزاء، الشَّلُوبِين يقول: في كل موضع تكون للشيئين الاثنين، وقال الفارسي: لا، قد تكون للجواب .. تَتَمحَّض للجواب، ولا يكون فيه جزاء، بدليل أنَّه يُقال: أحبك، أحبك هذا كلام، فتقول: إذن أظنُّك صادقاً، جواب؟ نعم جواب، جزاء؟ ليس بِجزاء.
إذاً: قد تَتَمحَّض للجواب ولا يكون فيه جزاءٌ البَتَّة، إذ لا مجازاة هنا، لأن الشَّرط والجزاء إمَّا في الاستقبال أو في الماضي، ولا مدخل للجزاء في الحال: إذن أظنُّك صادقاً، يعني: الآن وقت كلامك هذا ليس بدعوى .. يدعي ممكن يُحبك وهو يكنُّه عليك، إذن أظنُّك صادقاً، إذاً: في هذا الحال أنت صادقٌ .. في هذا الزمان، والشرط إنما يكون في المستقبل أو في الماضي، ولأن ظن الصدق لا يصلُح جزاءً للمحبة، هذا معناها.
إذاً: الصواب مذهب الفارسي: أنَّها قد تَتَمحَّض للجواب ولا يكون ثَمَّ جزاء إلا أنَّ الأكثر أن تكون للجواب والجزاء، واختلف في لفظها عند الوقف، الصحيح أن نونها تبدل ألفاً، لو وقف عليها: إذا، ولا تقف عليها بالنون، تشبيهاً لها بتنوين المنصوب: رأيت زيدا .. رأيت زيداً، تقف عليها بالألف، لو وقفت على: (إِذَنْ) تقف عليها بالألف.
وهذا في غير القرآن، أمَّا فيه فيوقف عليها وتكتب بالألف إجماعاً، لأن هناك شيء خاص .. المصحف العثماني، أمَّا في غيره فلا، وقيل: يوقف بالنون لأنَّها كنون (لنْ) و (أنْ)، (إِذَنْ) .. إذا.