اختلف في (إِذَنْ) هل هي حرفٌ أم اسمٌ؟ والصَّحِيح الذي عليه الجمهور أنَّها حرفٌ، وذهب بعض الكوفيين إلى أنَّها اسمٌ -ليس منسوباً لجميعهم- والأصل على كلامهم في: إذَنْ أكرمَك إذا جِئتني أكرمَك، ثُم حذفت الجملة وعُوِّضَ عنها التنوين وأضمرت (أنْ)، إذا كانت اسم حينئذٍ لا تكون عَاملةٌ النَّصْب، وإنما يكون النَّصب بعدها بـ: (أنْ) مُضمرةً: إذَنْ أكرمَك، (إذن) التنوين هنا عُوِّض عن الجملة، إذ جئتني أكرمك، فحذفت جئتني، فقيل: إذَنْ أكرمك، فالنصب حينئذٍ لا يكون بـ: (إِذَنْ) وهذا تَكَلُّف، والصواب: أنَّها حرف، وأنَّها ناصبةٌ بنفسها، لأن هذا كله ليس عليه دليل.
إذاً: الصواب أنَّها حرف، وعلى أنَّها حرف هل هي بسيطة أو مُركَّبة؟ الصَّحيح أنًَّها بسيطة .. دائماً أرجح أنا أنَّها بسيطة، إلا إذا ورد في لسان العرب في الشِّعْر مثلاً ما يدلُّ على أصلها أنَّها مُركَّبة حينئذٍ نُسَلِّم، وإلا كل خلافٍ فرجح مباشرةً أنَّها بسيطة.
وعلى أنَّها حرفٌ فالصحيح أنَّها بسيطة لا مُركَّبة مِن: (إذْ وأنْ) نُقِلَت حركة الهمزة إلى الذَّال ثُم حذفت. أبو حيَّان يأتي ببعض المسائل لسيبويه يَردُّه ويقول: هذا مِمَّا يَحتاج إلى وحْيٍ يكشف عنه، يعني: هذا قول في الذِّهْن فقط، لماذا؟ لأنه إذا قيل: أصلها: (إذْ أنْ) من أين هذا؟ من قال لك أنَّ العَرَبي أصلاً نَطَق بهذه الكلمة أو الواضع -وخاصةً إذا قلنا: الواضع هو الله عز وجل- أنَّه وضعت أولاً: (إذْ أنْ) ثُم حذفت الهمزة تَخفِيفاً، ثُم إلى آخره، ما الدَّليل؟
والغريب أنَّه يقول مثل هذا الكلام، وأكثر النَّحو على أنَّه يحتاج إلى وحي، أكثر التَّعليل يحتاج إلى وحيٍ يَكشف عنه، ليست هذه المسألة، لكن بعض النَّاس إذا رد مسألة هكذا قد يأتي بقاعدة صحيحة، وقد يقع هو فيما يُضاد هذه القاعدة.
إذاً: الصواب أنَّها بسيطة لا مُركَّبة من (إذْ وأنْ) فنقلت حركة الهمزة إلى الذَّال ثُم حذفت، وهذا قول الخليل، وعلى أنَّها بسيطة فالصحيح أنَّها النَّاصبة بنفسها لا (أنْ) مُضمرةً بعدها، والقائل بالتركيب يَجعل النَّصب بـ: (أنْ) المُشتملة عليها (إِذَنْ) لأن أصلها: (إذْ أنْ) (أنْ) هي النَّاصِبة، فحُذِفَت الهمزة فقيل: (إِذَنْ) (إذْ أنْ) حذفت الهمزة وألقيت حركتها إلى الذَّال فقيل: (إِذَنْ).
إذن أكرمك، أين النَّاصب؟ (أنْ) الملفوظ بها، أين الملفوظ بها؟ النون فقط، والهمزة حذفت لإبقاء حركتها على ما قبل، وكذلك على مذهب بعض الكوفيين: أنَّها اسمٌ لا تكون ناصبةً بنفسها، وإنما تكون بـ: (أنْ) مضمرة وجوباً، إذاً: الصواب أنَّها ناصبةٌ بنفسها، لأن (إِذَنْ) لا تضمر إلا بعد عاطفٍ أو جار، يعني: (أنْ) المَصدريَّة لا تضمر كما سيأتي إلا بعد اثنين: إمَّا حرف عطف كـ: حتَّى، وأو، أو حرف جر، كـ: حتَّى التي تكون جارَّة، وبعد اللام مثلاً، وكل المواضع إمَّا حرف عطف وإمَّا جار، يعني: إمَّا أن يكون حرف جر كاللام، أو حرف عطف كالفاء .. فاء السَّببيَّة .. واو المعيَّة .. وأو، وحتى، في بعض المواضع.
إذاً: (أنْ) لا تكون مضمرةً إلا بعد عاطف أو جار.